خطبة الجمعة القادمة 18 يوليو 2025 للدكتور محمد حرز pdf مكتوبة “الاتحاد قوة”

خطبة الجمعة القادمة 18 يوليو 2025 للدكتور محمد حرز pdf مكتوبة “الاتحاد قوة”
الدكتور محمد حرز

تحميل خطبة الجمعة القادمة 18 يوليو 2025 للدكتور محمد حرز pdf مكتوبة “الاتحاد قوة”، حيث يستعرض زوو مصر امكانية تحميل الخطبة بأكثر من صيغة للسادة الدعاة.

خطبة الجمعة القادمة للدكتور محمد حرز

ينقل موقع زووم مصر خطبة الجمعة القادمة 18 يوليو 2025 للدكتور محمد حرز pdf مكتوبة “الاتحاد قوة”،  ويمكن تحميل الخطبة بصيغة pdf من هنـــــــــــــــــــــــــــــــــا، كما يمكن تحميلها بصيغة  woord من هنـــــــــــــــــــــــــــــــــا، والتي يمكن قراءتها كالتالي:

خُطْبَةُ الجُمُعَةِ القَادِمَةِ: ((الاتحادُ قوةٌ)) د. مُحَمَّدٌ حِرْزٌ بِتَارِيخِ: 22 مِنَ المُحَرَّمِ ١٤٤٧هـ – ١8 يُولْيُو ٢٠٢٥م
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، وَجَعَلَهُمْ كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ عَلَى مَرِّ السِّنِينَ، وَرَبَطَ بَيْنَ أَفْئِدَتِهِمْ بِالْمَوَدَّةِ والرَّأْفَةِ وَالْحَبْلِ الْمَتِينِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَي كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَحَبِيبَنَا وَقَائِدَنَا وَمُعَلِّمَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ…
هٰذَا الحَبِيبُ الَّذِي فِي مَدْحِهِ شَرَفِي***وَذِكْرُهُ طَيِّبٌ فِي مَسْمَعِي وَفَمِي
هٰذَا أَبُو القَاسِمِ المُخْتَارُ مِنْ مُضَرٍ***هٰذَا أَجَلُّ عِبَادِ اللَّهِ كُلِّهِمِ
هٰذَا هُوَ المُصْطَفَى أَزْكَى الوَرَى خُلُقًا***سُبْحَانَ مَنْ خَصَّهُ بِالْفَضْلِ وَالْكَرَمِ
أَمَّا بَعْدُ: فاتَّقُوا اللهَ جل وعلا وَرَاقِبُوهُ فِي السِّرِّ وَالْعَلَنْ فَهَذَا أَفْضَلُ عَمَلٍ، يَقُولُ رَبُّكُمْ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [المائدة: 2].عِبَادَ اللهِ: ((الاتحادُ قوةٌ)) عُنْوَانُ وَزَارَتِنَا، وَعُنْوَانُ خُطْبَتِنَا
عَناصِرُ اللِّقَاءِ
أَوَّلًا: سِماتُ المُجتَمَعِ المُسلِمِ!!
ثانِيًا: دِينُنا دِينُ الوَحدَةِ وَالأُلفَةِ وَالمَحَبَّةِ!!!
ثالِثًا وَأَخِيرًا: العُنْفُ الأُسَرِيُّ خِزْيٌ وَعَارٌ!!
أَيُّهَا السَّادَةُ: ما أَحْوَجَنَا فِي هذِهِ الدَّقائِقِ الْمَعْدُودَةِ إِلَى أَنْ يَكُونَ حَدِيثُنَا عَنِ الِاتِّحادِ قُوَّةً، وَخاصَّةً وَدِينُنَا هُوَ دِينُ الِاتِّحادِ، وَشَرِيعَتُنَا شَرِيعَةُ الوَحدَةِ وَالمَحَبَّةِ وَالأُلفَةِ وَالتَّعَاوُنِ، وَنَبِيُّنَا دَعَا إِلَى الوَحدَةِ وَالوِئَامِ، وَقُرآنُنَا دَعَانَا إِلَى التَّمَسُّكِ وَالِاعْتِصَامِ، وَخاصَّةً وَنَحنُ نَعِيشُ زَمَانًا تَشَرذَمَتْ فِيهِ الأُمَّةُ وَتَفَرَّقَتْ، وَضَعُفَتْ فِيهِ الأُمَّةُ وَهَانَتْ، وَضُرِبَتْ فِيهِ الأُمَّةُ عَلَى أُمِّ الرَّأْسِ بِالنِّعَالِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَخاصَّةً وأنَّ وَاجِبَنَا جَمِيعًا تِجَاهَ وَطَنِنَا يَقْتَضِي تَوْحِيدَ الْجُهُودِ وَنَبْذَ الْخِلَافَاتِ، وَأَنْ نَجْتَمِعَ جَمِيعًا عَلَى الْعَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ ؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: ((عَلَيْكُمْ جَمِيعًا بِالطَّاعَةِ وَالْجَمَاعَةِ؛ فَإِنَّهَا حَبْلُ اللهِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ)) فَنَحنُ جَمِيعًا فِي حَاجَةٍ إِلَى أَنْ نَقِفَ صَفًّا وَاحِدًا مُتَمَاسِكًا قَوِيًّا خَلْفَ قَادَتِنَا وَجَيْشِنَا لِلنَّهُوضِ بِمِصْرِنَا، وَلِنَكُونَ صَفًّا وَاحِدًا فِي مُوَاجَهَةِ التَّحَدِّيَاتِ الَّتِي تَمُرُّ بِهَا مِصْرُنَا فِي الدَّاخِلِ وَالخَارِجِ، مِمَّنْ يُرِيدُونَ النَّيْلَ مِنْهَا وَمِنْ أَمْنِهَا وَاسْتِقْرَارِهَا، لِتَعُمَّ الفَوضَى وَالهَلَاكُ وَالخَراب ُوَالدَّمَارُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ.
مِصْرُ الكِنَانَةِ مَا هَانَتْ عَلَى أَحَدٍ******اللَّهُ يَحْرُسُهَا عَطْفًا وَيَرْعَاهَا
نَدْعُوكَ يَا رَبَّ أَنْ تَحْمِيَ مَرَابِعَهَا****فَالشَّمْسُ عَيْنٌ لَهَا وَاللَّيْلُ نَجْوَاهَا
مَنْ شَاهَدَ الأَرْضَ وَأَقْطَارَهَا******وَالنَّاسَ أَنْوَاعًا وَأَجْنَاسًا
وَلَا رَأَى مِصْرَ وَلَا أَهْلَهَا******فَمَا رَأَى الدُّنْيَا وَلَا النَّاسَ
فَاللَّهَ اللَّهَ فِي الوَحدَةِ، اللَّهَ اللَّهَ فِي الأَمْنِ وَالِاسْتِقْرَارِ، اللَّهَ اللَّهَ فِي الأُلفَةِ وَالمَحَبَّةِ، اللَّهَ اللَّهَ فِي الأُخُوَّةِ وَالتَّعَاوُنِ, والْحَذَرَ الْحَذَرَ، وَكُونُوا مُعْتَبِرِينَ قَبْلَ أَنْ تَكُونُوا عِبْرَةً .. حَذَارِ ثُمَّ حَذَارِ أَنْ تُبْكَى عَلَى هذِهِ الْأَيَّامِ الزَّاهِرَةِ .. وَالْأَمْنِ وَالْأَمَانِ .. الَّذِي تَعِيشُونَ بِهِ الْآنَ فِي بُيُوتِكُمْ مَعَ أَوْلَادِكُمْ وَأَهْلِيكُمْ وَأَصْدِقَائِكُمْ وَأَرْحَامِكُمْ وَكُلِّ أَهْلِ بَلَدِكُمْ وَالْوَافِدِينَ إِلَيْكُمْ، تَغْدُونَ وَتَرُوحُونَ فِي أَعْمَالِكُمْ وَبُيُوتِكُمْ وَأَسْوَاقِكُمْ وَمَدَارِسِكُمْ وَجَامِعَاتِكُمْ وَمُتَنَزَّهَاتِكُمْ وَتَنَقُّلَاتِكُمْ وَأَسْفَارِكُمْ فِي أَمْنٍ وَأَمَانٍ.
أَوَّلًا: سِماتٌ وَخَصائِصُ المُجتَمَعِ المُسلِم!!
أَيُّهَا السَّادَةُ: كانَتِ المُجتَمَعاتُ الإِنسانيَّةُ قَبلَ الإِسلامِ في تَنازُعٍ وَاختِلافٍ، وَالدُّوَلُ في تَناحُرٍ وَتَحارُبٍ، وَكُلُّ دَولَةٍ تَعتَبِرُ غَيرَها مِن جُملَةِ رَعاياها مُباحِي الدَّمِ وَالنَّفْسِ، لَيسَ لَهُم أَيُّ حُقوقٍ قَبلَها، وَقَد فَرَّقَ المُجتَمَعاتِ نِظامُ الطَّبَقاتِ تَفريقًا أَذهَبَ وَحدَتَها وَأَضعَفَ قُوَّتَها. وَقَد صَوَّرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- حالَهُم، فَعَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ المُجَاشِعِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قَالَ ذَاتَ يَومٍ فِي خُطبَتِهِ: «أَلَا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ، مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا، كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلَالٌ، وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا، وَإِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ، فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ». فَهُمُ الَّذِينَ لَمْ يَزَالُوا مُتَمَسِّكِينَ بِالْحَقِّ، وَلَمْ يُبَدِّلُوا
دِينَهُمْ فِي هَذَا الْوَقْتِ أَيُّهَا الْأَخْيَارُ.
وَلَقَدْ تَمَيَّزَ الْمُجْتَمَعُ الْإِسْلَامِيُّ عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الْمُجْتَمَعَاتِ بِعَدَدٍ مِنَ السِّمَاتِ والخَصائصِ، جَعَلَتْهُ بِحَقٍّ مُجْتَمَعًا فَرِيدًا، لَمْ تَعْرِفِ الْبَشَرِيَّةُ مُجْتَمَعًا مِثْلَهُ، جَمَعَ فِي ثَنَايَاهُ هَذِهِ السِّمَاتِ الْحَمِيدَةَ، لِيَكُونَ أُنْمُوذَجًا يُرْتَجَى، وَمِثَالًا يُحْتَذَى عِنْدَ الْعُقَلَاءِ مِنْ بَنِي الْبَشَرِ.
وَمِنْ هَذِهِ السِّمَاتِ أَنَّهُ: مُجْتَمَعٌ مُوَحِّدٌ: وَهَذِهِ أَعْظَمُ خَاصِّيَّةٍ اخْتُصَّ بِهَا الْمُجْتَمَعُ الْإِسْلَامِيُّ، أَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى تَوْحِيدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، مُلْتَزِمٌ بِشَرْعِهِ فِي كُلِّ تَصَرُّفَاتِهِ، مُعْتَقِدٌ أَنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ الْخَالِقُ، الرَّازِقُ، الْمُدَبِّرُ لِلْأُمُورِ، الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ وَالْخُضُوعِ وَالْخُشُوعِ، قَالَ جَلَّ وَعَلَا: ﴿ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ [الأنعام: 102].
وَمِنْ خَصَائِصِهِ أَنَّهُ مُجْتَمَعٌ مُوَحَّدٌ: وَتَعْنِي هَذِهِ أَنَّهُ مُجْتَمَعٌ مُتَرَابِطٌ بِرَابِطَةٍ وَاحِدَةٍ هِيَ رَابِطَةُ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ حَذَّرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْعِبَادَ مِنَ التَّفَرُّقِ وَالتَّمَزُّقِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [الروم: 31–32]. وَأَمَرَ اللهُ عِبَادَهُ بِالِاعْتِصَامِ وَالتَّوَافُقِ وَالِاتِّحَادِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: 103].
وَمِنْ خَصَائِصِهِ أَنَّهُ مُجْتَمَعٌ مُتَرَاحِمٌ: لَمْ يَعْرِفِ التَّارِيخُ مُجْتَمَعًا مُتَرَاحِمًا كَالْمُجْتَمَعِ الْإِسْلَامِيِّ، وَلِمَ لَا؟! فَالَّذِي وَضَعَ قَوَاعِدَهُ هُوَ رَبُّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، فَقَدْ شَرَّعَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِعِبَادِهِ مَا يَتَنَاسَبُ مَعَ أَحْوَالِهِمْ، فَأَمَرَهُمْ بِالتَّرَاحُمِ وَالتَّعَاطُفِ فِيمَا بَيْنَهُمْ لِكَيْ تَسْتَقِيمَ حَيَاتُهُمْ، وَحَذَّرَهُمْ مِنَ الظُّلْمِ، وَحَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْقُدُسِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: ((يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا)). وَقَدْ حَثَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى التَّعَاوُنِ وَالتَّرَاحُمِ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ، مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ لَا الْحَصْرِ: فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: ((مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا، فَلَيْسَ مِنَّا)). وَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: ((مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمْ)). • وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: ((الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)). قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْحَضُّ عَلَى اسْتِعْمَالِ الرَّحْمَةِ لِلْخَلْقِ كُلِّهِمْ، كَافِرِهِمْ وَمُؤْمِنِهِمْ، وَلِجَمِيعِ الْبَهَائِمِ، وَالرِّفْقِ بِهَا، وَأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَغْفِرُ اللهُ بِهِ الذُّنُوبَ وَيُكَفِّرُ بِهِ الْخَطَايَا.
وَمِنْ خَصَائِصِهِ أَنَّهُ مُجْتَمَعٌ عَفِيفٌ طَاهِرٌ: لَمْ يَتَمَرَّغْ فِي أَوْحَالِ الدَّنَسِ وَالْقَذَارَةِ الْأَخْلَاقِيَّةِ، بَعِيدٌ كُلَّ الْبُعْدِ عَنِ الْأَسْبَابِ الَّتِي تُدَنِّسُهُ، كَالنَّظَرِ لِلنِّسَاءِ الْأَجْنَبِيَّاتِ، وَسَمَاعِ الْغِنَاءِ الْمَاجِنِ الْمُحَرَّمِ، وَالِاخْتِلَاطِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، كُلُّ ذَلِكَ حِفَاظًا عَلَى الْأَعْرَاضِ وَالْأَنْسَابِ. قَالَ جَلَّ وَعَلَا: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: 32]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ [الأنعام: 151]. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَنَّهُ قَالَ: ((مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ)).
وَمِنْ خَصَائِصِهِ أَنَّهُ مُجْتَمَعٌ آمِنٌ: وَالْأَمْنُ مِنْ ضَرُورَاتِ الْحَيَاةِ، فَلَيْسَ الْأَمْنُ بِالْأَمْرِ الْيَسِيرِ أَوِ السَّهْلِ، فَهُوَ مِنْ ضَرُورَاتِ الْحَيَاةِ، فَالْإِنْسَانُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَعِيشَ بِهَنَاءٍ وَسَعَادَةٍ وَيَنَامَ قَرِيرَ الْعَيْنِ بِدُونِ الْأَمْنِ، كَثِيرٌ مِنَ الْعِبَادَاتِ وَكَثِيرٌ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ بِدُونِ الْأَمْنِ، فَالْأَمْنُ ضَرُورَةٌ حَيَاتِيَّةٌ مِثْلَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ. قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((الْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ))، وَقَالَ: ((خَيْرُكُمْ مَنْ يُرْجَى خَيْرُهُ، وَيُؤْمَنُ شَرُّهُ، وَشَرُّكُمْ مَنْ لَا يُرْجَى خَيْرُهُ، وَلَا يُؤْمَنُ شَرُّهُ)).
وَمِنْ خَصَائِصِهِ أَنَّهُ مُجْتَمَعٌ آمِرٌ بِالْمَعْرُوفِ، نَاهٍ عَنِ الْمُنْكَرِ بِغَيْرِ مُنْكَرٍ: قَالَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: 110]. وَمِنْ خَصَائِصِهِ أَنَّهُ مُجْتَمَعٌ يَهْتَمُّ بِالْأُسْرَةِ: فَالْأُسْرَةُ هِيَ الَّتِي تُكَوِّنُ الْمُجْتَمَعَ، وَلِذَلِكَ نَجِدُ أَنَّ الْإِسْلَامَ عَنِيَ بِتَنْشِئَةِ الْبَيْتِ الْمُسْلِمِ مِنَ الْبِدَايَةِ، فَوَجَّهَ الرَّجُلَ إِلَى الزَّوَاجِ بِذَاتِ الدِّينِ، فَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ)). وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِوَلِيِّ الْمَرْأَةِ وَلِلْمَرْأَةِ: ((إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ، فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ)). لِأَنَّ الْأُسْرَةَ تُـمْنَحُ الْفَرْدَ الْمَحْضِنَ التَّرْبَوِيَّ الَّذِي يُحَافِظُ عَلَى سُلُوكِهِ وَيَضْبِطُ تَصَرُّفَاتِهِ، فَوَجَّهَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْقِيَامِ بِحِمَايَةِ أَفْرَادِهَا، وقَالَ جل وعلا ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا، وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ، عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ، لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ، وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6]
وواللهِ ثم واللهِ ما تأخرتْ الأمةُ الإسلاميةُ إلا يومَ أنْ تخلتْ عن هويتِهَا الإسلاميةِ ولسانِها العربيِّ، أمةُ الهاديِ تستحي أنْ تقولَ: إنّها مسلمةٌ، ولا تُمانعُ مِن حذفِ لسانِها العربيِّ في المحافلِ الدوليةِ، مستبدلةً إياهُ بما عجمَ وارطنَ، وصدقَ ربُّنَا إذ يقولُ ((أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) [البقرة: 6 و يقولُ عمرُ بنُ الخطابِ -رضي اللهُ عنه-: “نحنُ قومٌ أعزَّنَا اللهُ بالإسلامِ ، فإنْ ابتغينَا العزةَ بغيرِه أذلنَا اللهُ، أمةٌ راحتْ تلهثُ وراءَ الشرقِ والغربِ وتركتْ هويتَهَا لذا أدركَ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلم- هذه الحقيقةَ، وحذرَ منها غايةَ التحذيرِ كما في البخاريِ ومسلمٍ من حديثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى قَالَ فَمَنْ) هل هذه هي أمةٌ دستورُها القرآنُ ..، ونبيُّهَا المصطفي العدنانُ .. ولغتُهَا أغنى اللغاتِ !!!وشعارها الاتخاد قوة والفرقة ضعف !!! ما الذي غيَّرَهَا وما الذي بدَّلَها؟ ما الذي حدثَ؟ وما الذي جرى ؟ أمةٌ ذُلتْ بعدَ عزةٍ..!!وضعفتْ بعدَ قوةٍ..!!وجَهلتْ بعدَ علمٍ ..!!.* هل هذه هي الأمةُ التي وصفَهَا اللهُ في القرآنِ بالخيريةِ في قولهِ سبحانَهُ (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) هل هذه هي الأمةُ التي وصفَهَا الله في القرآنِ بالوسطيةِ .. ؟ فقال سبحانَهُ ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) سورة البقرة
هل هذه هي الأمةُ التي وصفَهَا اللهَ في القرآنِ بالوحدةِ.. ؟ في قولِهِ جلّ وعلا:(إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُون )) كلا وألفُ كلا , إنّها أمةٌ ذُلتْ بعدَ عزةٍ..!! ضعفتْ بعدَ قوةٍ..!! جَهلت بعدَ علمٍ ..!!.
* أمةٌ أصبحتْ تَتسولُ على موائدَ الفكرِ الإنسانيِّ في الشرقِ الكافرِ والغربِ الملحدِ ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ وصدقَ قولُ نبيِّنَا صلى اللهُ عليه وسلم إذْ يقولُ كما في حديثِ ثوبان: « يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ قَالَ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ يَنْتَزِعُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ قَالَ قُلْنَا وَمَا الْوَهْنُ قَالَ حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ»فالمحافظةُ على الهويةِ تقدمٌ وحضارةٌ والمحافظةُ على الهويةِ عقيدةٌ وإيمانٌ وإحسانٌ والتخلي عنها تأخرٌ ورجعيةٌ وضنكٌ وشقاءٌ قال جلّ وعلا ))وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)((طـه: 124]،قال جلّ وعلا ((وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ))آل عمران: 85.
يا مَن يجيبُ العبدَ قبل سؤالِه *** ويجودُ للعاصين بالغفرانِ
وإذا أتاهُ الطالبون لعفوهِ*** سترَ القبيحَ وجادَ بالإحسانِ
ثانِيًا: دِينُنا دِينُ الوَحدَةِ وَالأُلفَةِ وَالمَحَبَّةِ!!!
أَيُّهَا السَّادَةُ: إِنَّ الِاتِّحادَ هُوَ أَسَاسُ السَّعَادَةِ، وَعِمَادُ كُلِّ تَقَدُّمٍ وَرُقِيٍّ، فَالصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ لَيْسُوا مِنْ صُلْبٍ وَاحِدٍ، وَلَا مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ وَاحِدَةٍ، إِنَّهُمْ مِنْ أَقْطَارٍ مُتَفَرِّقَةٍ، وَلَكِنِ اجْتَمَعُوا تَحْتَ ظِلِّ “لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهُ”، اجْتَمَعُوا عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَالْإِسْلَامُ دِينٌ يَدْعُو إِلَى الْوَحْدَةِ وَالِاتِّحَادِ، وَيُحَذِّرُ مِنَ الْفُرْقَةِ وَالِاخْتِلَافِ، فَفِي الْوَحْدَةِ وَالِاتِّحَادِ قُوَّةٌ وَمَنَعَةٌ، وَفِي الْفُرْقَةِ وَالِاخْتِلَافِ ضَعْفٌ وَمَهَانَةٌ، وَهَذَا مَا حَذَّرَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أُمَّتَهُ بِقَوْلِهِ: «أَذَهَبْتُمْ مِنْ عِنْدِي جَمِيعاً وَجِئْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ، إِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْفُرْقَةُ»، مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَقَوْلُهُ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ، مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ، وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ، فَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ»، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ». – وَكَيْفَ لَا؟ وَالتَّارِيخُ الْإِسْلَامِيُّ يَشْهَدُ لِمَا جَاءَ بِهِ الدِّينُ الْإِسْلَامِيُّ مِنْ أَنَّ الْخَيْرَ كُلَّ الْخَيْرِ فِي اجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ، وَالتَّضَامُنِ، وَالتَّآلُفِ، وَالتَّحَابِّ، وَالْأُخُوَّةِ، وَالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَتَوْحِيدِ الصُّفُوفِ، وَالتَّضْحِيَةِ بِالْمَصَالِحِ الشَّخْصِيَّةِ وَالرَّغَبَاتِ الْفَرْدِيَّةِ فِي سَبِيلِ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، فَمَا نَالَتْ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ نَصِيبًا مِنَ التَّقَدُّمِ فِي شَيْءٍ مِنْ شُؤُونِهَا إِلَّا بِاجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ .
وَكَيفَ لا؟ وعِنْدَمَا اسْتَقَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَدِينَةِ. وَاجَهَتْهُ مُشْكِلَةٌ كَبِيرَةٌ وَمُعْضِلَةٌ عَظِيمَةٌ. تِلْكَ هِي الْخِلاَفُ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ. الَّتِي ظَلَّتْ رَحَى الْحَرْبُ مُسْتَعِرَةٌ بَيْنَهُمَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ عَامًا، رَاحَ ضَحِيَّتُهُا الْآلاَفُ مِنْ خُلَّصِ الْقَوْمِ. وَقَدْ كَانَ لِلْيَهُودِ الدَّوْرُ الْمَشْهُودُ فِي اسْتِمْرَارِهَا. حَيْثُ كَانُوا يُوقِدُونَ نَارَ هَذِهِ الْعَدَاوَةِ وَيَنْفُخُونَ فِيهَا؛ وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ. مَرًّ بِمَلأٍ مِنَ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، فَسَاءَهُ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الاِتِّفَاقِ وَالْأُلْفَةِ، فَبَعَثَ رَجُلاً مَعَهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَجْلِسَ بَيْنَهُمْ، وَيَذْكُرَ لَهُمْ مَا كَانَ مِنْ حُرُوبِهِمْ يَوْمَ “بُعَاثَ” فَفَعَلَ وَاسْتَمَرَّ يَسْتَثِيرُهُمْ حَتَّى حَمِيَتْ نُفُوسُهُمْ، وَغَضِبَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَتَثَاوَرُوا، وَنَادَوْا بِشِعَارِهِمْ، وَطَلَبُوا أَسْلِحَتَهُمْ وَتَوَاعَدُوا بِـ”الْحَرَّةِ”، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُمْ، فَجَعَلَ يُسَكِّنُهُمْ، وَيَقُولُ: “أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ”، وَتَلَا عَلَيْهِمْ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 103]، فَنَدِمُوا عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ، وَاصْطَلَحُوا وَتَعَانَقُوا وَأَلْقَوُا السِّلاَحَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وفي “الصحيحين”: عن جابرِ بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: كُنَّا مع النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في غزاةٍ، فكسَعَ رجُلٌ مِن المُهاجِرِين رجُلًا مِن الأنصار، فقال الأنصارِيُّ: يا للأنصار! وقال المُهاجِريُّ: يا للمُهاجِرين! فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما بالُ دعوَى الجاهلِيَّة؟!»، قالوا: يا رسولَ الله! كسَعَ رجُلٌ مِن المُهاجِرِين رجُلًا مِن الأنصار، فقال: «دعُوها فإنها مُنتِنةٌ».وَكَيفَ لا؟ وإِخْوَةَ الْإِسْلامِ… مِنْ أَعْظَمِ أُصُولِ الْإِسْلامِ وَأَمْتَنِ قَوَاعِدِ الْإيمَانِ: الْحِرْصُ عَلَى تَحْقِيقِ الْإِخَاءِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَإفْشَاءِ الْمَحَبَّةِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَالتَّرَابُطِ بَيْنَهُمْ، يَقُولُ رَبُّنَا جَلَّ وَعَلَا: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10] وَيَقُولُ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى”. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَكَيفَ لا؟ والْإِسْلامُ وَحْدَهُ هُوَ الَّذِي يَجْمَعُ الْقُلُوبَ الْمُتَنَافِرَةَ، وَيُطْفِئُ الشَّرَارَةَ الْمُلْتَهِبَةَ، وَيُزِيلُ شَحْنَاءَ النُّفُوسِ، مَهْمَا كَانَ تَبَاعُدُ النَّاسِ فِي أَجْنَاسِهِمْ وَأَلْوَانِهِمْ وَبُلْدَانِهِمْ وَلُغَاتِهِمْ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ﴾ [الأنفال: 63]. نَعَمْ.. لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلامُ فَهَذَّبَ النُّفُوسَ، وَأَزَالَ لَوْثَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ وَنَعَرَاتِهَا، وَأَصْبَحَ الْجَمِيعُ بِنِعْمَةِ الْإِسْلامِ إِخْوَانًا مُتَحَابِّينَ. فَالإِسْلَامِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ عَرَبِيٍّ وَعَجَمِيٍّ، وَلَا بَيْنَ أَبْيَضَ وَأَسْوَدَ، وَلَا بَيْنَ سَيِّدٍ وَمَسُودٍ إِلَّا بِالتَّقْوَى وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13]. وَكَيفَ لا؟ ولقد بعثَ الله تبارك وتعالى أنبياءَه لإقامةِ الدين والأُلفَةِ والجماعة، وتركِ الفُرقةِ والمُخالفَة، قال جل وعلا (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [الشورى: 13].لذا كان من أولويَّاتِ دعوةِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- حين وطِئَت قدمُه الشريفةُ المدينةَ النبويَّة: بِناءُ مسجِد قُباء، والمُؤاخاةُ بين المُهاجِرين والأنصار، فانتقَلَ الناسُ من العداوَةِ في الجاهلِيَّة إلى الأُلفةِ في الإسلام، وأصبحَ غُرباءُ الدار إخوةً للأنصار، يُقاسِمُون دُورَهم وأموالَهم، (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر: 9].وَكَيفَ لا؟ والتَّفَرُّقُ لَيْسَ مِنَ الدِّينِ؛ لِأَنَّ الدِّينَ أَمَرَنَا بِالِاجْتِمَاعِ، وَأَنْ نَكُونَ أُمَّةً وَاحِدَةً عَلَى عَقِيدَةِ التَّوْحِيدِ، وَعَلَى مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ ﷺ. قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:92]..وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام:159]. فَدِينُنَا دِينُ الْأُلْفَةِ وَالِاجْتِمَاعِ، وَالتَّفَرُّقُ لَيْسَ مِنَ الدِّينِ، فَتَعَدُّدُ الْجَمَاعَاتِ لَيْسَ مِنَ الدِّينِ؛ لِأَنَّ الدِّينَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَكُونَ جَمَاعَةً وَاحِدَةً، وَالنَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» وروى مسلم في صحيحه (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاَثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاَثًا فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ ». فَلَا بُدَّ مِنَ الِاجْتِمَاعِ، وَأَنْ نَكُونَ أُمَّةً وَاحِدَةً، أَسَاسُهَا التَّوْحِيدُ، وَمَنْهَجُهَا دَعْوَةُ الرَّسُولِ ﷺ، وَمَسَارُهَا عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ. قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153].
وَكَيفَ لا؟ وَالْفُرْقَةُ وَالِاخْتِلَافُ ضَعْفٌ وَهَوانٌ، وَخِزْيٌ وَعَارٌ، وَهَلَاكٌ وَدَمَارٌ، وَالْعَالَمُ يَا سَادَةُ لَا يَحْتَرِمُ الضُّعَفَاءَ. قَالَ جَلَّ وَعَلَا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ، فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ، إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النِّسَاءُ: ٥٩] قَالَ جَلَّ وَعَلَا: ﴿ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46). فَحَذَارِ حَذَارِ مِنَ التَّنَازُعِ وَالتَّفَرُّقِ؛ فَإِنَّهُمَا وَاللَّهِ لَمِنَ الْجِنَايَاتِ الْعُظْمَى، وَالْجَرَائِمِ الْكُبْرَى، الَّتِي قَدْ يَدْخُلُ ضَرَرُهَا عَلَى الْعَجَائِزِ فِي أَقْصَى بُيُوتِهِنَّ. قَالَ أَحَدُ السَّلَفِ لِابْنِهِ: “يَا بُنَيَّ! إِذَا مَرَّ بِكَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ قَدْ سَلِمَ فِيهَا دِينُكَ، وَجِسْمُكَ، وَمَالُكَ، وَعِيَالُكَ، فَأَكْثِرْ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى؛ فَكَمْ مِنْ مَسْلُوبٍ دِينُهُ، وَمَنْزُوعٍ مُلْكُهُ، وَمَهْتُوكٍ سِتْرُهُ، وَمَقْصُومٍ ظَهْرُهُ، وَأَنْتَ فِي عَافِيَةٍ مِنَ اللَّهِ، وَسِتْرٍ، وَأَمْنٍ))فاتقوا الله، واجتنبوا التنازع والاختلاف والتفرق؛ فإن ذلك مبلبلٌ للأفكار، مهرقٌ للدماء، مؤججٌ لنار العداوة والبغضاء، وما أدراكم ما العدواة والبغضاء؟!وصدق النبي المختار صلى الله عليه وسلم إذ يقوا((
إنَّ الشَّيْطانَ قدْ أيِسَ أنْ يَعْبُدَهُ المُصَلُّونَ في جَزِيرَةِ العَرَبِ، ولَكِنْ في التَّحْرِيشِ بيْنَهُمْ.))والتحريش يكون بالفتن والخصام والفرقة والاختلاف ولا حول ولا قوة الا بالله .
أحزانُ قلبِي لا تزولُ** حتى أبشرَ بالقبولِ
وأرى كتابِي باليمينِ ** وتقرُّعينِي بالرسولِ
أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم.
الخطبة الثانية : الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلّا لهُ وبسمِ اللِه ولا يستعانُ إلّا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ……. وبعدُ.
ثالِثًا وَأَخِيرًا: العُنْفُ الأُسَرِيُّ خِزْيٌ وَعَارٌ!!
أيُّهَا السَّادَةُ: إِنَّ مِن تَمَامِ نِعَمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ جَعَلَ لَهُمْ بُيُوتًا تُؤْوِيهِمْ وَتَسْتُرُهُمْ، وَهَذِهِ النِّعْمَةُ تَسْتَحِقُّ الشُّكْرَ لِمَنْ أَنْعَمَ بِهَا، قَالَ جَلَّ وَعَلَا: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا) [النحل: ٨٠]. وَمِنْ أَجَلِّ هذِهِ النِّعَمِ: نِعْمَةُ اجْتِمَاعِ الأُسْرَةِ وَالتَّرَاحُمِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ جَلَّ شَأْنُهُ يَعْلَمُ أَنَّ حَيَاةَ المُجْتَمَعِ لَا تَقُومُ إِلَّا بِالأُسَرِ، فَشَرَعَ لَنَا الزَّوَاجَ، قَالَ جَلَّ وَعَلَا: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) [الروم: ٢١]. وَالْأُسْرَةُ الصَّالِحَةُ تُبْنَى عَلَى الْمَحَبَّةِ وَالْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ، وَلَكِن -عِبَادَ اللَّهِ- هُنَاكَ سُلُوكٌ يَخْلُو مِنَ الرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ وَمِنْ مَعَانِي الإِنْسَانِيَّةِ، وَيَنْتَهِكُ أَبْسَطَ الحُقُوقِ الأُسَرِيَّةِ، وَيُرْسِي دَعَائِمَ التَّسَلُّطِ وَالْعُنْفِ وَالْعُنْصُرِيَّةِ، وَهَذَا السُّلُوكُ الخَاطِئُ بَدَأَ يَزِيدُ وَيَنْتَشِرُ دَاخِلَ أُسَرِنَا وَمُجْتَمَعَاتِنَا، لَا يَقِلُّ خَطَرُهُ عَنِ الإِجْرَامِ وَالإِفْسَادِ فِي الأَرْضِ. وَكَيْفَ لَا؟ وَالْعُنْفُ الأُسَرِيُّ مِنْ أَعْظَمِ مَا يُهَدِّدُ كِيَانَ الأُسْرَةِ المُسْلِمَةِ، وَالْعُنْفُ – عِبَادَ اللَّهِ – شَرٌّ كُلُّهُ، وَالرِّفْقُ خَيْرٌ كُلُّهُ، وَمَا كَانَ الْعُنْفُ فِي شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ، وَمَا نُزِعَ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَإِنَّهُ مَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَمَا نُزِعَ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ
وَالْمُتَأَمِّلُ أَيُّهَا الأَخْيَارُ فِي سِيرَةِ النَّبِيِّ ﷺ العَطِرَةِ يَجِدْ أَنَّهُ كَانَ يُحْسِنُ مُعَامَلَةَ أَهْلِهِ، وَيُولِيهِمْ عِنَايَةً فَائِقَةً، وَمَحَبَّةً لَائِقَةً، فَكَانَ مَعَ زَوْجَاتِهِ حَنُونًا وَدُودًا، تَجَلَّتْ فِيهِ العَوَاطِفُ فِي أَرْقَى مَعَانِيهَا، وَالمَشَاعِرُ فِي أَسْمَى مَظَاهِرِهَا، فَكَانَ يُكْرِمُ وَلَا يُهِينُ، يُوَجِّهُ وَيَنْصَحُ، وَلَا يُعَنِّفُ وَيَجْرَحُ. فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: “مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ”. وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: “مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ” – رواه مسلم. وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَمْعَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “بِمَ يَضْرِبُ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ ضَرْبَ الفَحْلِ أَوِ العَبْدِ، ثُمَّ لَعَلَّهُ يُعَانِقُهَا” – رواه البخاري. وَقَالَ: “لَا يَجْلِدُ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ جَلْدَ العَبْدِ، ثُمَّ يُجَامِعُهَا فِي آخِرِ الْيَوْمِ” – رواه مسلم. بَلْ وَجَعَلَ ﷺ حُسْنَ مُعَامَلَةِ وَعِشْرَةِ الزَّوْجَةِ مِعْيَارًا مِنْ مَعَايِيرِ خَيْرِيَّةِ الرِّجَالِ، فَعَنْ عَائِشَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنْهَا – قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي” – رواه ابن ماجة. وَكَانَ ﷺ وَفِيًّا مَعَ زَوْجَتِهِ حَتَّى بَعْدَ وَفَاتِهِنَّ، فَلَقَدْ كَانَ وَفِيًّا مَعَ رَمْزِ الوَفَاءِ، وَسَكَنِ الأَنْبِيَاءِ، الطَّاهِرَةِ فِي الجَاهِلِيَّةِ وَالإِسْلَامِ، خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ، عَلَيْهَا مِنْ رَبِّهَا الرِّضْوَانُ وَالرَّحَمَاتُ. فَلَقَدْ كَانَتْ عَائِشَةُ – رَضِيَ اللهُ عَنْهَا – تَغَارُ مِنْهَا وَهِيَ مَيِّتَةٌ، فَقَالَتْ يَوْمًا – كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ – قَالَتْ: “كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى عَلَيْهَا، فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ، قَالَتْ: فَغِرْتُ يَوْمًا، فَقُلْتُ: مَا أَكْثَرَ مَا تَذْكُرُهَا، حَمْرَاءَ الشِّدْقِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَقَالَ: مَا أَبْدَلَنِيَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا مِنْهَا، قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِيَ النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِيَ النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِيَ النَّاسُ، وَرَزَقَنِيَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ” – رواه أحمد. وَكَانَ ﷺ يُكْرِمُ أَصْحَابَ خَدِيجَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنْهَا – فَعَنْ عَائِشَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنْهَا – قَالَتْ: “مَا غِرْتُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ ﷺ إِلَّا عَلَى خَدِيجَةَ، وَإِنِّي لَمْ أُدْرِكْهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ، يَقُولُ: أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ، قَالَتْ: فَأَغْضَبْتُهُ يَوْمًا، فَقُلْتُ: خَدِيجَةَ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا” – متفق عليه. وَعَنْ عَائِشَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنْهَا –: “جَاءَتْ عَجُوزٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ عِنْدِي، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ: مَنْ أَنْتِ؟ قَالَتْ: أَنَا جُثَّامَةُ المُزَنِيَّةُ، فَقَالَ: بَلْ أَنْتِ حَسَّانَةُ المُزَنِيَّةُ، كَيْفَ أَنْتُمْ؟ كَيْفَ حَالُكُمْ؟ كَيْفَ كُنْتُمْ بَعْدَنَا؟ قَالَتْ: بِخَيْرٍ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، فَلَمَّا خَرَجَتْ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، تُقْبِلُ عَلَى هَذِهِ العَجُوزِ هَذَا الإِقْبَالَ؟! فَقَالَ: إِنَّهَا كَانَتْ تَأْتِينَا زَمَنَ خَدِيجَةَ”. وَالبُيُوتُ – يَا سَادَةُ – لَا تَخْلُو مِنَ المَشَاكِلِ، وَلَوْ خَلَتِ البُيُوتُ مِنَ المَشَاكِلِ، لَخَلَا بَيْتُ النُّبُوَّةِ ﷺ، وَلَكِنْ خِلَافَاتٌ تَذْهَبُ سَرِيعًا، وَيَبْقَى الحُبُّ، وَالمَوَدَّةُ، وَالسَّكَنُ، وَالرَّحْمَةُ. فَعَنْ عَائِشَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنْهَا – قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “إِنِّي لَأَعْرِفُ غَضَبَكِ وَرِضَاكِ”، قَالَتْ: قُلْتُ: وَكَيْفَ تَعْرِفُ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: “إِنَّكِ إِذَا كُنْتِ رَاضِيَةً قُلْتِ: بَلَى وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ سَاخِطَةً قُلْتِ: لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ” قَالَتْ: قُلْتُ: أَجَلْ، لَسْتُ أُهَاجِرُ إِلَّا اسْمَكَ”
فَاتَّقُوا اللهَ – عِبَادَ اللهِ –، وَأَكْرِمُوا نِسَاءَكُمْ، كَمَا أَمَرَكُمْ دِينُكُمْ، وَأَوْصَاكُمْ نَبِيُّـكُمْ ﷺ، أَدُّوا حُقُوقَهُنَّ، وَتَعَاوَنُوا فِيمَا بَيْنَكُمْ عَلَى وَاجِبَاتِ الأُسْرَةِ، وَمُتَطَلَّبَاتِ الحَيَاةِ الكَثِيرَةِ. وَاعْلَمُوا أَنَّ العُنْفَ لَا يُصْلِحُ، بَلْ يُفْسِدُ، وَلَا يَبْنِي، بَلْ يَهْدِمُ، لِهَذَا وَجَبَ عَلَى المُسْلِمِ تَجَنُّبُهُ مَعَ الجَمِيعِ، خُصُوصًا أَفْرَادَ الأُسْرَةِ. فَالأُسْرَةُ هِيَ السَّكَنُ، وَالمَوَدَّةُ، وَالرَّحْمَةُ، وَالأُلْفَةُ، وَالمَحَبَّةُ، وَالتَّعَاوُنُ، وَالاحْتِرَامُ، وَالأُسْرَةُ بِصَلَاحِهَا يَصْلُحُ المُجْتَمَعُ، وَبِفَسَادِهَا يَفْسُدُ المُجْتَمَعُ. فَاللهَ اللهَ فِي التَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِ النَّبِيِّ ﷺ فِي التَّعَامُلِ مَعَ أَهْلِ بَيْتِهِ، اللهَ اللهَ فِي إِصْلَاحِ الأُسَرِ، اللهَ اللهَ فِي المُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ، اللهَ اللهَ عَلَى السَّكَنِ وَالمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ.
حَفِظَ اللهُ مِصْرَ مِنْ كَيْدِ الكَائِدِينَ، وَشَرِّ الفَاسِدِينَ، وَحِقْدِ الحَاقِدِينَ، وَمَكْرِ المَاكِرِينَ، وَاعْتِدَاءِ المُعْتَدِينَ، وَإِرْجَافِ المُرْجِفِينَ، وَخِيَانَةِ الخَائِنِينَ.
كَتَبَهُ العَبْدُ الفَقِيرُ إِلَى عَفْوِ رَبِّهِ د/ مُحَمَّدٌ حِرْزٌ إِمَامٌ بِوِزَارَةِ الأَوْقَافِ