في صيف عام 1952، وبينما كانت مصر على أعتاب حدث تاريخي سيغير مجرى تاريخها، شاركت بعثة رياضية مصرية ضخمة في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية التي أقيمت في مدينة هلسنكي الفنلندية. تُظهر هذه المشاركة الوجه الرياضي لمصر في تلك الحقبة، متزامنة مع التحولات السياسية الجذرية التي كانت على وشك الحدوث.
لم تكن المشاركة المصرية في أولمبياد هلسنكي مجرد حدث رياضي عادي، بل كانت لحظة فارقة تحمل رمزية تاريخية عميقة، إذ تزامنت مع أيام قليلة قبل قيام ثورة 23 يوليو التي أطاحت بالنظام الملكي وأعلنت قيام الجمهورية المصرية. تُبرز هذه المقالة تفاصيل هذه المشاركة المثيرة، من إنجازات رياضية متواضعة إلى خلفيات سياسية عالمية معقدة.
مصر في هلسنكي: بين الميدالية والجمهورية
انطلقت دورة ألعاب هلسنكي الأولمبية في 19 يوليو عام 1952، أي قبل أربعة أيام فقط من اندلاع ثورة 23 يوليو. وقد مثّل 106 رياضي مصري، منهم 103 رجال و 3 سيدات، بلادهم في هذه المنافسات الدولية الكبرى. رغم عدم تحقيق البعثة المصرية لإنجازات رياضية باهرة، إلا أن الميدالية البرونزية التي حصل عليها المصارع عبد العال راشد في المصارعة الرومانية اليونانية، إضافةً إلى الأداء المشرف لمنتخب كرة القدم، قد سجلت اسم مصر في سجلات الألعاب الأولمبية.
ومن الملاحظ أن البعثة المصرية سافرت إلى هلسنكي باسم “مملكة مصر”، وعادت إلى أرض الوطن باسم “جمهورية مصر”، مما يُبرز بشكلٍ دراماتيكي التحولات السياسية التي شهدتها مصر خلال تلك الفترة القصيرة.
اقرأ أيضاً: المدرب حسن شحاتة يغادر المستشفى بعد عملية جراحية ناجحة
انتصارات تاريخية لمنتخب كرة القدم المصري
لم يقتصر التألق المصري في أولمبياد هلسنكي على الميدالية البرونزية في المصارعة، بل امتد إلى تحقيق منتخب كرة القدم المصري فوزاً تاريخياً على نظيره التشيلي في الدور التمهيدي بنتيجة 5-4. وقد شهدت المباراة ندية كبيرة، وتألقاً من نجوم المنتخب المصري الذين تمكنوا من قلب الطاولة على المنافس بعد تأخره بهدفين.
على الرغم من هذا الانتصار، لم يستمر مشوار منتخب مصر طويلاً في البطولة، حيث خسر أمام منتخب ألمانيا الغربية بنتيجة 3-1، إلا أن فوزه على تشيلي سيبقى محفوراً في ذاكرة عشاق الكرة المصرية.
أولمبياد هلسنكي: تاريخ طويل من التأجيلات
يُشكل تنظيم دورة ألعاب هلسنكي الأولمبية حدثاً مميزاً في حد ذاته. فقد كان من المقرر أن تستضيف اليابان دورة الألعاب عام 1940، إلا أن الحرب الصينية اليابانية الثانية أجبرت اللجنة الأولمبية الدولية على نقلها. ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية، تم إلغاء الألعاب، مما أدى إلى انتظار طويل دام اثني عشر عاماً حتى تمكنت فنلندا من تنظيمها في عام 1952.
يُبرز هذا التأجيل الطويل الدور المؤثر للأحداث السياسية العالمية على الحدث الرياضي الكبير.
أولمبياد هلسنكي: رياضة وسياسة
لم تكن أولمبياد هلسنكي مجرد حدث رياضي بحت، بل كانت ساحة للتفاعلات السياسية الدولية. فقد مثّلت هذه الدورة أول ظهور للاتحاد السوفييتي في الألعاب الأولمبية منذ عام 1912، مما زاد من أهميتها السياسية. كما أبرزت الدورة التوتر السياسي بين الكتل الشرقية والغربية، وتجلى ذلك في مشاكل الإقامة التي واجهت البعثة السوفيتية، والتي انتهت بتوفير سكن منفصل لهم.
اقرأ أيضاً: ثورة جون إدوارد في الزمالك: شهر من الإنجازات والتحولات الكبرى
كما مثّلت هذه الدورة عودة ألمانيا للمشاركة في الألعاب الأولمبية بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن بشكلٍ منقسم، حيث لم تتمكن ألمانيا الشرقية من المشاركة بسبب عدم التوافق بين شطري ألمانيا آنذاك.