تحميل خطبة الجمعة القادمة “الوقت هو الحياة” للدكتور محمد حرز pdf مكتوبة

تحميل خطبة الجمعة القادمة “الوقت هو الحياة” للدكتور محمد حرز pdf مكتوبة
الدكتور محمد حرز

يبحث أئمة الأوقاف عن تحميل خطبة الجمعة القادمة بعنوان “الوقت هو الحياة” للدكتور محمد حرز مكتوبة بصيغة pdf، والمقررة في 25 يوليو 2025، وذلك للاستعداد ليوم الجمعة وفهم مضمون الخطبة قبل حضورها، وتتناول الخطبة أهمية استثمار الوقت باعتباره أثمن ما يملكه الإنسان، وأن ضياع الأوقات يعني ضياع العمر كله.

تحميل خطبة الجمعة القادمة للدكتور محمد حرز

يستعرض زووم مصر تحميل خطبة الجمعة القادمة للدكتور محمد حرز بصيغة pdf من هنـــــــــــــــــــــــــــــــــا، كما يمكن تحميل خطبة الجمعة من بصيغة word من هنـــــــــــــــــــــــــــــــــا.

خطبة الجمعة القادمة مكتوبة

خُطْبَةُ الجُمُعَةِ القَادِمَةِ: ((إِدَارَةُ الوَقْتِ مِفْتَاحُ بِنَاءِ الإِنْسَانِ النَّاجِحِ)) د. مُحَمَّدٌ حِرْزٌ بِتَارِيخِ: 29 مِنَ المُحَرَّمِ ١٤٤٧هـ – 25 يُولْيُو ٢٠٢٥م
الْـحَمْدُ لِلَّهِ الْقَائِلِ فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ: ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ (الأَعْرَافُ: 34)، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلِيُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَخَلِيلُهُ، الْقَائِلُ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا –: ((إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ)) (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَارِكْ عَلَى النَّبِيِّ الْمُخْتَارِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْأَطْهَارِ الْأَخْيَارِ، وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْـحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَيُّهَا السَّادَةُ: ((إِدَارَةُ الوَقْتِ مِفْتَاحُ بِنَاءِ الإِنْسَانِ النَّاجِحِ((بَلْ إِنْ شِئْتَ فَقُلِ: الوَقْتُ هُوَ الْـحَيَاةُ، عُنْوَانُ وِزَارَتِنَا، وَعُنْوَانُ خُطْبَتِنَا
أوَّلًا: الْوَقْتُ هُوَ رَأْسُ مَالِ الْمُسْلِمِ!!!
ثَانِيًا: أَسْبَابُ ضَيَاعِ الْوَقْتِ
ثَالِثًا: كَيْفَ أَسْتَثْمِرُ وَقْتِي.
رَابِعًا وَأَخِيرًا: الحَذَرَ الحَذَرَ مِنْ مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ!!!
أَيُّهَا السَّادَةُ: بَدَايَةً، مَا أَحْوَجَنَا فِي هَذِهِ الدَّقَائِقِ الْمَعْدُودَةِ إِلَى أَنْ يَكُونَ حَدِيثُنَا عَنْ إِدَارَةِ الْوَقْتِ مِفْتَاحَ بِنَاءِ الإِنْسَانِ النَّاجِحِ، وَخَاصَّةً وَنَحْنُ نُضَيِّعُ الأَوْقَاتِ بِالسَّاعَاتِ أَمَامَ الْهَوَاتِفِ الذَّكِيَّةِ، وَالأَفْلَامِ، وَالْمُبَارَيَاتِ، وَمَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ، بَعِيدِينَ عَنْ كِتَابِ رَبِّنَا، وَسُنَّةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَخَاصَّةً أَنَّ الْوَقْتَ هُوَ الْحَيَاةُ، وَأَنَّ الْوَقْتَ أَغْلَى مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَغْلَى مِنْ جَمِيعِ الأَمْوَالِ، فَإِنَّ الْمَالَ إِذَا فُقِدَ يُمْكِنُ أَنْ يُعَوَّضَ، أَمَّا الْوَقْتُ إِذَا فُقِدَ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُعَوَّضَ. وَخَاصَّةً وبُيُوتُنَا صَارَتْ فِي خَطَرٍ عَظِيمٍ بِسَبَبِ هَذِهِ الْوَسَائِلِ، وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ، لَقَدْ صَارَ التَّوَاصُلُ الْمُحَرَّمُ عِوَضًا عَنِ التَّوَاصُلِ الْمَشْرُوعِ، لَقَدْ صَارَ التَّوَاصُلُ الَّذِي يُدَمِّرُ وَلَا يُعَمِّرُ، دُمِّرَتِ الْبُيُوتُ، وَطُلِّقَتِ النِّسَاءُ، وَضَاعَ الأَطْفَالُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. قُولُوا لِكُلِّ مَنْ أَسَاءَ اسْتِعْمَالَ هَذِهِ النِّعْمَةِ، فَكَانَ سَبَبًا فِي انْحِرَافِ النِّسَاءِ، وَسَبَبًا فِي الطَّلَاقِ، وَسَبَبًا فِي إِفْسَادِ الْحَيَاةِ وَالْحَيَاءِ، وَسَبَبًا فِي انْحِرَافِ الرِّجَالِ، وَإِعْرَاضِهِمْ عَنْ بُيُوتِهِمْ، وَعَمَّا أَحَلَّ اللهُ تَعَالَى لَهُمْ. تَذَكَّرْ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾. تَذَكَّرْ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا﴾. تَذَكَّرْ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ﴾ وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ:
دَقَّاتُ قَلْبِ الْمَرْءِ قَائِلَةٌ لَهُ *****إِنَّ الْحَيَاةَ دَقَائِقٌ وَثَوَانِ
فَارْفَعْ لِنَفْسِكَ بَعْدَ مَوْتِكَ ذِكْرَهَا***** فَالذِّكْرُ لِلْإِنْسَانِ عُمْرٌ ثَانِ
أَوَّلًا: الوَقْتُ هُوَ رَأْسُ مَالِ المُسْلِمِ!!!
أَيُّهَا السَّادَةُ: الوَقْتُ هُوَ الحَيَاةُ، والوَقْتُ هُوَ رَأْسُ مَالِ المُسْلِمِ، فَالعَاقِلُ هُوَ الَّذِي يَعْرِفُ قَدْرَ وَقْتِهِ، وَشَرَفَ زَمَانِهِ، فَلَا يُضَيِّعُ سَاعَةً وَاحِدَةً مِنْ عُمْرِهِ إِلَّا فِي خَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. فَالوَقْتُ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾ (الفُرْقَان: 62) بَلْ لِعِظَمِ الوَقْتِ أَقْسَمَ اللهُ بِهِ فِي القُرْآنِ مِرَارًا وَتِكْرَارًا، فَقَالَ رَبُّنَا: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ﴾ (اللَّيْل: 1-2) وَقَالَ رَبُّنَا: ﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ” (رَوَاهُ الْبُخَارِي) لِذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ” (رَوَاهُ الْحَاكِم) فَالوَقْتُ مِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ الَّتِي أَنْعَمَ اللهُ بِهَا عَلَى الإِنسَانِ، وَالَّتِي سَيُسْأَلُ عَنْهَا بَيْنَ يَدَيِ الكَبِيرِ المُتَعَالِ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ المُخْتَارُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ؟” (رَوَاهُ التِّرْمِذِي) فَوَظِّفْ أَنْفَاسَكَ فِي طَاعَةِ مَوْلَاكَ، وَجَاهِدْ نَفْسَكَ وَهَوَاكَ، وَابْتَعِدْ عَنْ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ، وَاسْمَعْ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – وَهُوَ يَقُولُ: “مَا نَدِمْتُ عَلَى شَيْءٍ نَدَمِي عَلَى يَوْمٍ غَرَبَتْ شَمْسُهُ، اقْتَرَبَ فِيهِ أَجَلِي، وَلَمْ يَزْدَدْ فِيهِ عَمَلِي))وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ:
إِذَا مَرَّ بِي يَوْمٌ وَلَمْ أَسْتَفِدْ هُدًى*** وَلَمْ أَكْتَسِبْ عِلْمًا فَمَا ذَاكَ مِنْ عُمْرِي
بَلْ يَقُولُ عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ –: “مَنْ أَمْضَى يَوْمَهُ فِي غَيْرِ حَقٍّ قَضَاهُ، أَوْ فَرْضٍ أَدَّاهُ، أَوْ مَجْدٍ أَثَّلَهُ، أَوْ حَمْدٍ حَصَّلَهُ، أَوْ خَيْرٍ أَسَّسَهُ، أَوْ عِلْمٍ اقْتَبَسَهُ، فَقَدْ عَقَّ يَوْمَهُ وَظَلَمَ نَفْسَهُ”. سَلِّمْ يَا رَبُّ سَلِّمْ!!! كَمْ مِنْ يَوْمٍ يَمُرُّ؟! بَلْ كَمْ مِنْ شُهُورٍ مَرَّتْ عَلَيْنَا؟! بَلْ كَمْ مِنْ سِنِينَ مَرَّتْ عَلَيْنَا؟! وَلَمْ نَقْتَبِسْ عِلْمًا، وَلَمْ نَقْتَبِسْ هُدًى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. بَلْ مِنْ أَهَمِّ خَصَائِصِ الوَقْتِ: أَنَّهُ يَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ، وَيَجْرِي جَرْيَ الرِّيَاحِ، فَالأَيَّامُ تَمُرُّ، وَالأَشْهُرُ تَجْرِي وَرَاءَهَا، تَسْحَبُ مَعَهَا السِّنِينَ، وَتَمُرُّ خَلْفَهَا الأَعْمَارُ، وَتُطْوَى حَيَاةُ جِيلٍ بَعْدَ جِيلٍ، ثُمَّ بَعْدَهَا يَقِفُ الجَمِيعُ بَيْنَ يَدَيِ الكَبِيرِ المُتَعَالِ، وَسَيَعْلَمُ الخَاسِرُونَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ، وَضَيَّعُوا أَوْقَاتَهُمْ وَأَعْمَارَهُمْ، وَكَأَنَّهُمْ مَا لَبِثُوا فِي هذِهِ الدُّنْيَا إِلَّا سَاعَةً! قَالَ رَبُّنَا: ﴿قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْـحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ * وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾ (سورةُ المُؤْمِنُونَ) بَلْ مِنْ أَهَمِّ خَصَائِصِ الوَقْتِ: أَنَّهُ إِذَا مَضَى لَا يَعُودُ أَبَدًا. كَمَا قَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ – رَحِمَهُ اللهُ –: “مَا مِنْ يَوْمٍ يَنْشَقُّ فَجْرُهُ إِلَّا وَهُوَ يُنَادِي بِلِسَانِ الحَالِ: يَا ابْنَ آدَمَ، أَنَا خَلْقٌ جَدِيدٌ، وَعَلَى عَمَلِكَ شَهِيدٌ، فَاغْتَنِمْنِي، فَإِنِّي لَا أَعُودُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ”. سَلِّمْ يَا رَبِّ سَلِّمْ!!! لِذَا قَالَ ابْنُ القَيِّمِ – رَحِمَهُ اللهُ –: “إِضَاعَةُ الوَقْتِ أَشَدُّ مِنَ المَوْتِ؛ لِأَنَّ إِضَاعَةَ الوَقْتِ تَقْطَعُكَ عَنِ اللهِ وَالدَّارِ الآخِرَةِ، وَالمَوْتُ يَقْطَعُكَ عَنِ الدُّنْيَا وَأَهْلِهَا”. كَمْ مِنَ السَّاعَاتِ أَضَعْنَاهَا؟! وَكَمْ مِنْ شُهُورٍ أَضَعْنَاهَا؟! نَجْلِسُ بِالسَّاعَاتِ أَمَامَ الأَفْلَامِ الدَّاعِرَةِ، وَالمُسَلْسَلَاتِ الهَابِطَةِ، وَالمُصَارَعَةِ المُخْزِيَةِ، وَالبَرَامِجِ الهَدَّامَةِ، وَإِذَا دَعَاكَ المَلِكُ لِسَمَاعِ خُطْبَةٍ، أَوْ لِلصَّلَاةِ، وَأَطَالَ الإِمَامُ، تَغْضَبُ، فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ تَغْضَبُ يَا مِسْكِينُ؟! لِفَوْتِ سَاعَةٍ فِي ذِكْرِ اللهِ؟ وَلَا تَغْضَبُ لِضَيَاعِ السَّاعَاتِ فِيمَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ؟! يَا ابْنَ آدَمَ، أَنَا خَلْقٌ جَدِيدٌ، وَعَلَى عَمَلِكَ شَهِيدٌ، فَاغْتَنِمْنِي، فَإِنِّي لَا أَعُودُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ. **هَذَا هُوَ يَوْمُكَ يُنَادِيكَ، فَوَظِّفْ أَنْفَاسَكَ فِي طَاعَةِ مَوْلَاكَ، وَجَاهِدْ نَفْسَكَ وَهَوَاكَ، وَابْتَعِدْ عَنْ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ، قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا يَنْفَعُ فِيهِ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)).
ثَانِيــــًا: أَسْبَابُ ضَيَاعِ الْوَقْتِ
أَيُّهَا السَّادَةُ: هُنَاكَ أَسْبَابٌ كَثِيرَةٌ تُؤَدِّي إِلَى ضَيَاعِ الْوَقْتِ، مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْحَصْرِ: أَوَّلُهَا: مَوَاقِعُ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ، بَلْ إِنْ شِئْتَ فَقُلْ: مَوَاقِعُ الِانْفِصَالِ الِاجْتِمَاعِيِّ، تَكُونُ مُضْيَعَةً لِلْوَقْتِ إِذَا لَمْ يُتَمَّ اسْتِخْدَامُهَا بِحِكْمَةٍ. يُمْكِنُ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى إِدْمَانِ التَّصَفُّحِ وَتَشْتِيتِ الِانْتِبَاهِ، وَتَضْيِيعِ الْوَقْتِ فِي أَنْشِطَةٍ غَيْرِ مُنْتِجَةٍ .
فَمَوَاقِعُ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ بِحَدِّ ذَاتِهَا نِعْمَةٌ، وَلَكِنَّهَا وَبِكُلِّ أَسَفٍ انْقَلَبَتْ إِلَى نِقْمَةٍ عِنْدَ أَكْثَرِ النَّاسِ، حَيْثُ سَهَّلَتْ عَلَيْهِمْ مَعْصِيَةَ اللهِ تَعَالَى، بِسَبَبِ الْغَفْلَةِ عَنْهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، حَتَّى صَارَتْ سَبَبًا فِي انْهِيَارِ الْبُيُوتِ، وَمِنْ خِلَالِهَا فَاحَتْ رَوَائِحُ الْفَضَائِحِ، وَهُتِكَتِ الْأَعْرَاضُ، وَاخْتُرِقَتِ الْحُرُمَاتُ، وَتَحَوَّلَتْ أَجْهِزَةُ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ إِلَى نِقْمَةٍ، وَأَيِّ نِقْمَةٍ! بَلْ لَقَدْ صَارَتْ وَسَائِلُ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ سَبَبًا لِانْشِغَالِ الزَّوْجِ عَنْ زَوْجَتِهِ، وَالزَّوْجَةِ عَنْ زَوْجِهَا، وَالْأَبْنَاءِ عَنْ آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ، وَالْإِخْوَةِ عَنْ أَخَوَاتِهِمْ، بَلْ صَارَ كِبَارُ السِّنِّ يَشْعُرُونَ بِالْعُزْلَةِ عَنْ فُرُوعِهِمْ وَأَقَارِبِهِمْ. يَا أَصْحَابَ هَذِهِ النِّعْمَةِ، لَا تَجْعَلُوا اللهَ أَهْوَنَ النَّاظِرِينَ إِلَيْكُمْ، وَتَذَكَّرُوا قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾. وَاسْمَعُوا حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَحْيُوا مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ». قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ للهِ. قَالَ: «لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الاسْتِحْيَاءَ مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ: أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرِ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. فَلْنَحْفَظِ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، لِنَحْفَظِ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَاللِّسَانَ، فَكُلُّ أُولَئِكَ سَنُسْأَلُ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ ضَيَاعِ الْوَقْتِ: العَجْزُ وَالْكَسَلُ، لِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ – كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ – مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ، وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ، وَالْهَرَمِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ».
بَلْ مِنْ أَهَمِّ أَسْبَابِ ضَيَاعِ الْوَقْتِ: اتِّبَاعُ الْهَوَى، فَالْهَوَى مَلِكٌ ظَلُومٌ، غَشُومٌ، جَهُولٌ، يَهْوِي بِصَاحِبِهِ إِلَى الشَّرِّ فِي الدُّنْيَا، وَالْهَلَاكِ فِي الْآخِرَةِ. يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ: مَا ذَكَرَ اللهُ الْهَوَى فِي مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ إِلَّا وَذَمَّهُ. قَالَ تَعَالَى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ﴾ [الجاثية: ٢٣] بَلْ خَاطَبَ اللهُ نَبِيَّهُ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: ٢٨]. فَالْهَوَى يَهْوِي بِصَاحِبِهِ إِلَى الْهَلَاكِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ – وَالْحَدِيثُ حَسَنٌ بِمَجْمُوعِ طُرُقِهِ – مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ –: «ثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ، وَثَلَاثٌ مُنْجِيَاتٌ، أَمَّا الثَّلَاثُ الْمُهْلِكَاتُ: فَشُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ، وَأَمَّا الثَّلَاثُ الْمُنْجِيَاتُ: فَخَشْيَةُ اللهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَالْقَصْدُ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَالْعَدْلُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا». تَرَى الْمُسْلِمَ يُضَيِّعُ السَّاعَاتِ الطَّوِيلَةَ أَمَامَ الْمُسَلْسَلَاتِ وَالْأَفْلَامِ، وَإِنْ سَأَلْتَ وَاحِدًا: مَا السَّبَبُ؟! يَقُولُ لَكَ: “أُضَيِّعُ الْوَقْتَ”!!! وَهَلْ فِي حَيَاةِ الْمُسْلِمِ وَقْتُ فَرَاغٍ، يَا سَادَةُ؟! وَهُوَ لَا يَدْرِي أَنَّهُ يَقْتُلُ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَجْمُوعُ أَيَّامٍ، فَإِنِ انْقَضَى يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِهِ، اسْتَقْبَلَ بِهِ الْآخِرَةَ، وَاسْتَدْبَرَ بِهِ الدُّنْيَا. كَمَا كَانَ لُقْمَانُ يَقُولُ لِوَلَدِهِ: “يَا بُنَيَّ، إِنَّكَ مِنْ يَوْمِ أَنْ نَزَلْتَ إِلَى الدُّنْيَا، اسْتَدْبَرْتَ الدُّنْيَا، وَاسْتَقْبَلْتَ الْآخِرَةَ، فَأَنْتَ إِلَى دَارٍ تُقْبِلُ عَلَيْهَا أَقْرَبُ مِنْ دَارٍ تَبْتَعِدُ عَنْهَا)) فَالْوَقْتُ هُوَ الْحَيَاةُ، وَالْوَقْتُ هُوَ الْعُمْرُ، فَلَا تُضَيِّعْ سَاعَةً مِنْ عُمْرِكَ إِلَّا فِي خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
بلْ مِنْ أَخْطَرِ أَسْبَابِ ضَيَاعِ الْوَقْتِ طُولُ الْأَمَلِ: جَمِيلٌ أَنْ تَحْمِلَ أَمَلًا فِي قَلْبِكَ لِتُعَمِّرَ الْكَوْنَ .. فَالْإِنْسَانُ مَفْطُورٌ عَلَى حُبِّ الْحَيَاةِ، وَلَا يُنْكِرُ ذَلِكَ إِلَّا جَاهِلٌ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. جَمِيلٌ أَنْ أَعِيشَ فِي الدُّنْيَا وَأَنْ أَحْمِلَ الْأَمَلَ فِي قَلْبِي، لِأَنْ أُعَمِّرَ بَيْتًا لِأَوْلَادِي، وَأَنْ أَصِلَ إِلَى أَعْلَى الْمَنَاصِبِ وَأَرْقَى الدَّرَجَاتِ، وَأَنْ أُحَصِّلَ الْمَلَايِينِ مِنَ الْأَمْوَالِ مِنَ الْحَلَالِ الطَّيِّبِ. وَلَكِنْ إِيَّاكَ أَنْ يُحَوِّلَ طُولُ الْأَمَلِ بَيْنَكَ وَبَيْنَ طَاعَةِ مَوْلَاكَ حِينَئِذٍ: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) لِذَا حَذَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: (كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ أَنَّهُ قَالَ: “اعْمَلْ لِدُنْيَاكَ كَأَنَّكَ تَعِيشُ أَبَدًا، وَاعْمَلْ لِآخِرَتِكَ كَأَنَّكَ تَمُوتُ غَدًا”. يُفَكِّرُ الْإِنْسَانُ أَنَّهُ سَيَخْلُدُ، أَنَّهُ لَا يَزَالُ صَغِيرًا، لَا يَزَالُ صَحِيحًا، وَهُوَ لَا يَدْرِي كَمْ مِنْ صَحِيحٍ مَاتَ لَا مِنْ عِلَّةٍ، وَكَمْ مِنْ مَرِيضٍ عَاشَ حِينًا مِنَ الدَّهْرِ. وَصَدَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ يَقُولُ كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ: “يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَتَبْقَى مِنْهُ اثْنَتَانِ: الْحِرْصُ وَالْأَمَلُ” رواه أحمد. انْظُرُوا! جَلَسَ نَفَرٌ مِنَ الصَّالِحِينَ يَتَسَاءَلُونَ وَيَتَذَاكَرُونَ حَوْلَ قَصَرِ الْأَمَلِ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: “بَلَغَ مِنِّي قَصَرُ الْأَمَلِ أَنِّي إِذَا رَفَعْتُ اللُّقْمَةَ إِلَى فَمِي، هَلْ أَتَمَكَّنُ مِنْ أَكْلِهَا أَمْ لَا؟” وَقَالَ الثَّانِي مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُ، وَقَالَ الثَّالِثُ: “بَلَغَ مِنِّي قَصَرُ الْأَمَلِ أَنِّي إِذَا خَرَجَ مِنِّي النَّفَسُ لَا أَدْرِي أَيَعُودُ إِلَيَّ أَمْ لَا؟” يَا مَنْ بِدُنْيَاهُ اشْتَغَلْ … وَغَرَّهُ طُولُ الْأَمَلِ وَلَمْ يَزَلْ فِي غَفْلَةٍ … حَتَّى دَنَا مِنْهُ الْأَجَلُ الْمَوْتُ يَأْتِي بَغْتَةً … وَالْقَبْرُ صُنْدُوقُ الْعَمَلِ فَإِيَّاكَ ثُمَّ إِيَّاكَ أَنْ يُحَوِّلَ طُولُ الْأَمَلِ بَيْنَكَ وَبَيْنَ طَاعَةِ مَوْلَاكَ، فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ.
بَلْ مِنْ أَخْطَرِ أَسْبَابِ ضَيَاعِ الْوَقْتِ: الْغَفْلَةُ، هِيَ: أَنْ يَغْفَلَ الْإِنْسَانُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَيَغْفَلَ عَنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ، وَبَيْنَ لَحْظَةٍ وَأُخْرَى، وَبَيْنَ عَشِيَّةٍ وَضُحَاهَا، يَجِدُ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ فِي مَعْسَكَرِ الْأَمْوَاتِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. قَالَ رَبُّنَا: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ . مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ . لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) (الأنبياء: 1–3) كَلِمَاتٌ تَهُزُّ الْغَافِلِينَ هَزًّا، كَلِمَاتٌ تَهُزُّ السَّاقِطِينَ هَزًّا، كَلِمَاتٌ تَهُزُّ اللَّاعِبِينَ هَزًّا، كَلِمَاتٌ تَهُزُّ الْعَاقِلِينَ. الْحِسَابُ يَقْتَرِبُ، وَالسَّاعَةُ تَقْتَرِبُ، وَالْقِيَامَةُ تَقْتَرِبُ، وَالنَّاسُ فِي غَفْلَةٍ، وَالنَّاسُ مُعْرِضُونَ، لِمَاذَا؟ لِأَنَّهُمْ فِي اللَّهْوِ وَالْبَاطِلِ وَالشَّهَوَاتِ وَالْمَادِّيَّاتِ غَارِقُونَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. بَلْ مِنْ أَخْطَرِ أَسْبَابِ ضَيَاعِ الْوَقْتِ: الْفَرَاغُ، وَآهٍ مِنَ الْفَرَاغِ عَلَى شَبَابِنَا وَأَخَوَاتِنَا وَعَلَى أَنْفُسِنَا!! آهٍ مِنَ الْفَرَاغِ وَخَطَرِهِ. وَالْفَرَاغُ نِعْمَةٌ مِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ، وَنَحْنُ لَا نَدْرِي. رَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ”. وَالْفَرَاغُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: الْفَرَاغُ الْقَلْبِيُّ، وَالْفَرَاغُ النَّفْسِيُّ، وَالْفَرَاغُ الْعَقْلِيُّ. الْفَرَاغُ الْقَلْبِيُّ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْقَلْبُ فَارِغًا مِنَ الْإِيمَانِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. وَعِلَاجُ الْفَرَاغِ الْقَلْبِيِّ: بِزِيَادَةِ الْإِيمَانِ، فَالْإِيمَانُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، يَزِيدُ بِالطَّاعَاتِ، وَيَنْقُصُ بِالْمَعَاصِي وَالزَّلَّاتِ. يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ: “تَفَقَّدْ قَلْبَكَ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ: عِنْدَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ، وَفِي مَجَالِسِ الذِّكْرِ وَالْعِلْمِ، وَفِي وَقْتِ الْخَلْوَةِ بَيْنَكَ وَبَيْنَ رَبِّكَ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ قَلْبَكَ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ فَابْحَثْ عَنْ قَلْبِكَ، فَإِنَّهُ لَا قَلْبَ لَكَ!!” فَإِنَّ الْقَلْبَ يَمْرَضُ وَالْإِنْسَانُ لَا يَدْرِي، وَإِنَّ الْقَلْبَ يَمُوتُ وَالْإِنْسَانُ لَا يَدْرِي. وَالْفَرَاغُ النَّفْسِيُّ: النَّفْسُ إِنْ لَمْ تَشْغَلْهَا بِالْحَقِّ، شَغَلَتْكَ بِالْبَاطِلِ، إِنْ لَمْ تَفْطِمْهَا بِالطَّاعَاتِ، قَادَتْكَ إِلَى الْمَعَاصِي وَالزَّلَّاتِ. كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَالنَّفْسُ أَمَّارَةٌ: وَهِيَ الَّتِي قَالَ عَنْهَا رَبُّنَا: (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي، إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) إِذَا لَمْ يَجِدِ الشَّابُّ عَمَلًا يَقُومُ بِهِ، وَرَأَى نَفْسَهُ فِي فَرَاغٍ، انْشَغَلَ بِالْمَعَاصِي، انْشَغَلَ بِالْفِتَنِ وَالشَّهَوَاتِ، انْشَغَلَ بِالْأَفْلَامِ وَالْمُبَارَيَاتِ وَالْمَسْلَسَلَاتِ…!! وَالْفَرَاغُ الْعَقْلِيُّ: حَيَاتُهُ دَمَارٌ، وَآخِرَتُهُ بَوَارٌ، بِدَلِيلِ تَصَايُحِ أَهْلِ النَّارِ فِي النَّارِ بَيْنَ يَدَيِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- عَنْ هَؤُلَاءِ:﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [الملك:10]
. يَا سَاهِيًا لَاهِيًا عَمَّا يُرَادُ بِهِ … آنَ الرَّحِيلُ وَمَا قَدَّمْتَ مِنْ زَادِ
تَرْجُو الْبَقَاءَ صَحِيحًا سَالِمًا أَبَدًا … هَيْهَاتَ أَنْتَ غَدًا فِيمَنْ غَدَا غَادِ
ثَالِثًا: كَيْفَ أَسْتَثْمِرُ وَقْتِي؟
أَيُّهَا السَّادَةُ: إِنَّ الْعُمْرَ الْحَقِيقِيَّ لِلْإِنْسَانِ لَا يُقَاسُ بِالسَّنَوَاتِ، إِنَّمَا يُقَاسُ بِالْأَعْمَالِ وَالطَّاعَاتِ، لَا يُقَاسُ بِالسَّنَوَاتِ. انْظُرْ إِلَى نَبِيِّ اللهِ نُوحٍ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- كَمْ عَاشَ؟ وَمَا مُدَّةُ دَعْوَتِهِ؟ قَضَى أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ، وَمَعَ ذَلِكَ: ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾. وَانْظُرُوا إِلَى عُمْرِ الْمُصْطَفَى مُحَمَّدٍ ﷺ، كَمْ عَاشَ؟ وَكَمْ عَدَدُ سَنَوَاتِ دَعْوَتِهِ؟ تَزِيدُ عَنِ الْعِشْرِينَ قَلِيلًا جِدًّا، وَمَعَ ذَلِكَ قَدَّرَ اللهُ لَهُ فِي هَذَا الْعُمْرِ الْقَلِيلِ أَنْ يُقِيمَ لِلْإِسْلَامِ دَوْلَةً مِنْ فُتَاتٍ مُتَنَاثِرٍ. بَلْ هَذَا هُوَ صِدِّيقُ الْأُمَّةِ الْأَكْبَرُ، فِي مُدَّةِ وِلَايَتِهِ الَّتِي لَا تَزِيدُ عَلَى سَنَتَيْنِ وَنِصْفٍ، حَوَّلَ الْمِحَنَ الَّتِي أَصَابَتِ الْأُمَّةَ إِلَى مَنَحٍ. فِي سَنَتَيْنِ وَنِصْفٍ: قَضَى عَلَى فِتْنَةِ الرِّدَّةِ! فِي سَنَتَيْنِ وَنِصْفٍ: أَنْفَذَ بَعْثَ أُسَامَةَ!! فِي سَنَتَيْنِ وَنِصْفٍ: جَمَعَ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ، وَرَدَّ الْأُمَّةَ إِلَى مَنْهَجِ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ!! وَهَذَا فَارُوقُ الْأُمَّةِ: عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فِي عَشْرِ سَنَوَاتٍ وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ، هَذِهِ الْفَتْرَةُ الْقَلِيلَةُ الَّتِي لَا تُسَاوِي فِي حِسَابِ الزَّمَنِ شَيْئًا، وَمَعَ ذَلِكَ: رُفِعَتْ رَايَةُ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ فِي عَهْدِهِ. وَهَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ -شَابٌّ مِنْ شَبَابِ الْأُمَّةِ- أَعْلَمُ الْأُمَّةِ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، أَتَدْرُونَ كَمْ عَاشَ مُعَاذٌ؟ أَسْلَمَ فِي الثَّامِنَةِ عَشْرَةَ مِنْ عُمُرِهِ، وَتُوُفِّيَ فِي الثَّالِثَةِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ عُمُرِهِ. اللهُ أَكْبَرُ! قَالَ لَهُ النَّبِيُّ الْمُخْتَارُ ﷺ: “يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، فَقَالَ: أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ، لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ” (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ). فَالْعُمْرُ لَا يُقَاسُ بِالسَّنَوَاتِ، وَإِنَّمَا يُقَاسُ بِالطَّاعَاتِ. فَسَلْ نَفْسَكَ: مَاذَا قَدَّمْتَ مِنْ طَاعَاتٍ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؟ سَلْ نَفْسَكَ قَبْلَ فَوَاتِ الْأَوَانِ! فَمِنَّا مَنْ بَلَغَ السِّتِّينَ، وَالْخَمْسِينَ، وَالْأَرْبَعِينَ، وَالثَّلَاثِينَ، وَلَمْ يُقَدِّمْ عَمَلًا صَالِحًا يَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللهِ. فَأَفِقْ مِنْ غَفْلَتِكَ، وَانْتَهِزِ الْفُرْصَةَ، وَاسْتَثْمِرْ وَقْتَكَ بِعَمَلِ الْخَيْرَاتِ وَالطَّاعَاتِ. بَدَلًا مِنْ أَنْ تَجْلِسَ بِالسَّاعَاتِ أَمَامَ الْأَفْلَامِ، وَالْمُسَلْسَلَاتِ، وَالْمُصَارَعَةِ، وَالْمُبَارَيَاتِ، اجْلِسْ كَيْ تَقْرَأَ جُزْءًا مِنَ الْقُرْآنِ. اجْلِسْ مَعَ أَوْلَادِكَ تُعَلِّمُهُمْ سُنَّةَ النَّبِيِّ الْمُخْتَارِ. اسْتَثْمِرْ وَقْتَكَ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ. اسْتَثْمِرْ وَقْتَكَ فِي الْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ. اسْتَثْمِرْ وَقْتَكَ فِي الْإِكْثَارِ مِنَ الصَّلَاةِ، وَمِنَ التَّسْلِيمِ عَلَى سَيِّدِ الْأَنَامِ. اسْتَثْمِرْ وَقْتَكَ فِي كُلِّ طَاعَةٍ تُقَرِّبُكَ مِنْ مَوْلَاكَ. وَقُلْ: يَا نَفْسُ إِنَّ الْعُمْرَ هُوَ بِضَاعَتِي … إِذَا ضَاعَ عُمْرِي ضَاعَ رَأْسُ مَالِي، وَلَا أَرْبَحُ أَبَدًا يَا نَفْسُ قَدْ أَزِفَ الرَّحِيلُ … وَأَظَلَّكِ الْخَطْبُ الْجَلِيلُ فَتَأَهَّبِي يَا نَفْسُ لَا … يَلْعَبْ بِكِ الْأَمَلُ الطَّوِيلُ فَلَتَنْزِلِنَّ بِمَنْزِلٍ … يُنْسَى الْخَلِيلُ بِهِ الْخَلِيلُ وَلَيَرْكَبَنَّ عَلَيْكِ فِيهِ … مِنَ الثَّرَى ثِقْلٌ ثَقِيلُ قُرِنَ الْفَنَاءُ بِنَا فَمَا … يَبْقَى الْعَزِيزُ وَلَا الذَّلِيلُ
فاِنْتَبِهْ يَا مَنْ تُضَيِّعُ أَوْقَاتَكَ، رِسَالَةً إِلَى مَنْ يَقْتُلُونَ الوَقْتَ قَتْلًا، إِلَى مَنْ يَقْتُلُونَ العُمْرَ قَتْلًا، إِلَى مَنْ يُضَيِّعُونَ الحَيَاةَ تَضْيِيعًا. يَا مَنْ تُضَيِّعُ الوَقْتَ: أَنْتَ تُضَيِّعُ عُمْرَكَ، وَتُضَيِّعُ حَيَاتَكَ، وَتَنْتَحِرُ اِنْتِحَارًا بَطِيئًا، وَأَنْتَ لَا تَدْرِي… وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، سَتَنْدَمُ فِي يَوْمٍ لَا يَنْفَعُ النَّدَمُ، وَسَتَأْتِي عَلَيْكَ سَاعَةٌ، وَسَتَعْرِفُ قَدْرَ مَا ضَيَّعْتَ مِنْ سَاعَاتٍ. اُنْظُرُوا إِلَى حَسَّانِ بْنِ سِنَانٍ لَمَّا نَامَ عَلَى فِرَاشِ الْمَوْتِ، قَالُوا: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: بِخَيْرٍ إِنْ نَجَوْتُ مِنَ النَّارِ. فَقَالُوا: مَاذَا تَشْتَهِي؟ قَالَ: لَيْلَةً أُحْيِي مَا بَيْنَ طَرَفَيْهَا، بِمَاذَا؟ بِالْجُلُوسِ أَمَامَ المُسَلْسَلَاتِ؟ بِالْجُلُوسِ أَمَامَ الْأَفْلَامِ وَالْمُصَارَعَةِ؟ كَلَّا، أُحْيِي مَا بَيْنَ طَرَفَيْهَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. بَلْ هَذَا هُوَ عَامِرُ بْنُ قَيْسٍ لَمَّا نَامَ عَلَى فِرَاشِ الْمَوْتِ أَخَذَ يَبْكِي، قَالُوا: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ: لَيْلَةً نِمْتُهَا، يَا رَبِّ سَلِّمْ، وَسَاعَةً غَفَلْتُ عَنْهَا، وَيَوْمًا أَفْطَرْتُهُ، يَا رَبِّ سَلِّمْ. فَمَا بَالُكَ وَقَدْ ضَيَّعْنَا الْأَعْمَارَ بِالْبُعْدِ عَنِ اللَّهِ وَعَنْ مَنْهَجِهِ، وَعَنْ سُنَّةِ حَبِيبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَالْوَقْتُ الَّذِي تَعِيشُ فِيهِ هُوَ حَيَاتُكَ، فَإِذَا عَمَرْتَهُ عَمَرْتَ حَيَاتَكَ، وَإِذَا أَهْمَلْتَهُ أَهْمَلْتَ حَيَاتَكَ. يَقُولُ ابْنُ القَيِّمِ: السَّنَةُ شَجَرَةٌ، وَالشُّهُورُ فُرُوعُهَا، وَالأَيَّامُ أَغْصَانُهَا، وَالسَّاعَاتُ أَوْرَاقُهَا، وَالأَنْفَاسُ ثَمَرُهَا، فَمَنْ كَانَتْ أَنْفَاسُهُ فِي طَاعَةٍ فَثَمَرَتُهُ طَيِّبَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ أَنْفَاسُهُ فِي مَعْصِيَةٍ فَثَمَرَتُهُ حَنْظَلٌ، فَأَيُّ الثِّمَارِ تُرِيدُ يَا مِسْكِينُ؟ وَقَالَ الفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ لِرَجُلٍ: “كَمْ عُمْرُكَ؟” فَقَالَ الرَّجُلُ: سِتُّونَ سَنَةً، فَقَالَ الفُضَيْلُ: “إِذًا أَنْتَ مُنْذُ سِتِّينَ سَنَةً تَسِيرُ إِلَى اللَّهِ، تُوشِكُ أَنْ تَصِلَ”، فَقَالَ الرَّجُلُ: “إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ”، فَقَالَ الفُضَيْلُ: “يَا أَخِي، هَلْ عَرَفْتَ مَعْنَاهَا؟” قَالَ: “نَعَمْ، عَرَفْتُ أَنِّي لِلَّهِ عَبْدٌ، وَأَنِّي إِلَيْهِ رَاجِعٌ”، فَقَالَ الفُضَيْلُ: “يَا أَخِي، مَنْ عَرَفَ أَنَّهُ لِلَّهِ عَبْدٌ، وَأَنَّهُ إِلَيْهِ رَاجِعٌ، عَرَفَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَمَنْ عَرَفَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَرَفَ أَنَّهُ مَسْؤُولٌ، وَمَنْ عَرَفَ أَنَّهُ مَسْؤُولٌ فَلْيُعِدَّ لِلسُّؤَالِ جَوَابًا”، فَبَكَى الرَّجُلُ، فَقَالَ: “يَا فُضَيْلُ، وَمَا الحِيلَةُ؟” قَالَ الفُضَيْلُ: “يَسِيرَةٌ”، قَالَ الرَّجُلُ: “وَمَا هِيَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ؟” قَالَ: “أَنْ تَتَّقِيَ اللَّهَ فِيمَا بَقِيَ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ مَا قَدْ مَضَى وَمَا قَدْ بَقِيَ”. فَاعْرِفْ قَدْرَ وَقْتِكَ، وَشَرَفَ زَمَانِكَ، وَحَقِيقَةَ عُمْرِكَ، وَحَقِيقَةَ سَاعَاتِ أَيَّامِكَ، فَعُدْ اللَّيْلَةَ إِلَى اللَّهِ قَبْلَ فَوَاتِ الْأَعْمَارِ، وَاسْمَعْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ وَهُوَ يُنَادِي: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزُّمَر: ٥٣]. فَاتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَرَاقِبْ رَبَّكَ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ مُطَّلِعٌ عَلَيْكَ، وَيَرَاكَ. والوقتُ أنفَسُ ما عُنيتَ بِحِفْظِهِ = وَأَرَاهُ أَسْهَلُ مَا عَلَيْكَ يضيعُ
وَأُرْجِئُ بَقِيَّةَ الحَدِيثِ إِلَى مَا بَعْدَ جَلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ. وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ. الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ: الحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا حَمْدَ إِلَّا لَهُ، وَبِسْمِ اللَّهِ وَلَا يُسْتَعَانُ إِلَّا بِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. أَمَّا بَعْدُ…
رَابِعًا وَأَخِيرًا: الحَذَرَ الحَذَرَ مِنْ مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ!!!
أَيُّهَا السَّادَةُ: مما لا شَكَّ أَنَّ وَسَائِلَ التَّوَاصُلِ هَذِهِ نِعْمَةٌ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ، سَهَّلَتِ التَّوَاصُلَ بَيْنَ الأَفْرَادِ، وَقَارَبَتْ بَيْنَ الْمُتَبَاعِدِينَ، وَيَسَّرَتِ التِّجَارَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ، وَسُبُلَ تَحْصِيلِ الْمَعْلُومَاتِ، كَمَا تَجَاوَزَتِ الْعَقَبَاتِ وَالْحَوَاجِزَ وَالْحُدُودَ الْجُغْرَافِيَّةَ، وَفَتَحَتْ أَبْوَابًا مِنَ النَّفْعِ وَالدَّعْوَةِ وَالْخَيْرِ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللَّهُ… وَمِثْلُ هَذِهِ النِّعَمِ حَقُّهَا أَنْ تُشْكَرَ وَلَا تُكْفَرَ.. وَشُكْرُهَا يَكُونُ بِاسْتِعْمَالِهَا فِي الْخَيْرِ وَالنَّفْعِ. وَلِأَنَّهَا جَمَعَتْ بَيْنَ طَيَّاتِهَا الْخَيْرَ وَالشَّرَّ، وَالطَّيِّبَ وَالْخَبِيثَ، وَالصَّالِحَ وَالطَّالِحَ، وَالنَّافِعَ وَالضَّارَّ؛ فَلَابُدَّ مِنَ التَّحْذِيرِ وَالتَّنْبِيهِ وَالِاحْتِرَازِ الشَّدِيدِ حَالَ الِاسْتِخْدَامِ، حَتَّى لَا تَنْزَلِقَ الْأَقْدَامُ، وَيَأْتِيَ الشَّرُّ مِنْ وَرَاءِ الْخَيْرِ.. وَحَتَّى لَا تَتَحَوَّلَ النِّعْمَةُ إِلَى نِقْمَةٍ، وَالْمِنْحَةُ إِلَى مِحْنَةٍ.
إِنَّهَا ثَوْرَةٌ فِي التَّوَاصُلِ قَدْ غَيَّرَتِ في الأَخْلاقَ وَالسُّلُوكَ وَأَنْمَاطَ التَّعَامُلِ بَيْنَ النَّاسِ، حَتَّى إن الْبُيُوتَ الْحَيَّةَ بِحَدِيثِ أَهْلِهَا صَمَتَتْ كَأَنَّهَا خَالِيَةٌ مِنْهُمْ، وَمُنْتَدَيَاتُ النَّاسِ لِلْحَدِيثِ والمُؤَانَسَةِ اِتَّخَذَ بعض النَّاسُ بَدَلا عَنْهَا مَقَاهٍ مُظْلِمَةٍ كَأَنَّهَا مَقَابِرُ، وَحَينَما كَانَتِ الضَّوْضَاءُ تَخْرُجُ مِنْ بُيُوتِ الأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ فِي آخِرِ الأُسْبُوعِ حَيْثُ اِجْتِمَاعُ الأَوْلاَدِ وَالأَحْفَادِ ذَهَبَتْ الْحَيَوِيَّةُ وَالنَّشَاطُ وَالأُنْسُ؛ فَيَأْتِي كلُ وَاحْدٍ مِنْهُمْ يَتَأَبَّطُ جِهَازَهُ فَيُسَلِّمُونَ عَلَى بَعْضٍ ثُمَّ يَتَّخِذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زاوِيَةً مِنَ البيت ؛ ليَعِيشُ بِجَسَدِهِ مَعَ الأسرة، وَأَمَّا رُوْحُهُ وَعَقْلُهُ فَمَعَ مَنْ يُحَادِثُ فِي جِهَازِهِ، حَتَّى إِنَّهُ لِيُكَلَّمُ فَلا يَسْمَعُ، وَيُسْأَلُ فَلا يُجِيبُ، وَربما لا يَتَحَرَّكُ مِنْ مَكَانِهِ الساعات. فَهُوَ سَادِرٌ فِي جِهَازِهِ.
إِنَّ هذِهِ الْوَسَائِلَ قَرَّبَتِ الرِّجَالَ مِنَ النِّسَاءِ، وَالشَّبَابَ مِنَ الْفَتَيَّاتِ، فَأَوْقَعَتْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْبُيُوتِ الرِّيَبَ وَالشُّكُوكَ، وَأَوْصَلَتْ بَعْضَ الْأَزْوَاجِ وَالزَّوْجَاتِ عَتَبَةَ الطَّلَاقِ بَعْدَ الْخِصَامِ وَالشِّقَاقِ. وَأَيْضًا أَوْصَلَتْ كَثِيرًا مِنَ الشَّبَابِ وَالْفَتَيَاتِ إِلَى الانْحِرَافِ بِدَرَجَاتِهِ وَأَنْوَاعِهِ الْمُخْتَلِفَةِ. وَكَمْ مِنْ فَتَاةٍ غُرِّرَ بِهَا عَنْ طَرِيقِهَا وَهِيَ لَا تَعْرِفُ لِلشَّرِّ طَرِيقًا، وَلَيْسَ فِي قَلْبِهَا أَيُّ رِيبَةٍ؛ وَلَكِنْ صَدَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ» [سُنَنُ التِّرْمِذِيِّ]. وَقَدْ هَيَّأَتْ بَرَامِجُ التَّوَاصُلِ خَلْوَةً –بِطَرِيقَةٍ جَدِيدَةٍ– بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ لِلْحَدِيثِ وَالْمُؤَانَسَةِ، وَالْمُضِيِّ سَاعَاتٍ طِوَالٍ فِي أَحْلَامٍ، وَسَهَرِ لَيَالٍ عَلَى أَوْهَامٍ؛ مَعَ مَكْرٍ كُبَّارٍ بِجَمِيلِ الْكَلَامِ وَوُعُودِ الْخِدَاعِ. فَيَجِبُ عَدَمُ الاسْتِهَانَةِ بِهَذِهِ الْوَسَائِلِ؛ فَإِنَّهَا مَوْرِدُ بَحْرٍ مِنَ الْأَوْزَارِ وَالآثَامِ إِنِ اسْتُخْدِمَتْ فِي الشَّرِّ. كَمَا أَنَّهَا مَجَالٌ رَحْبٌ وَعَظِيمٌ لِكَسْبِ الْحَسَنَاتِ إِنِ اسْتُخْدِمَتْ فِي الْخَيْرِ، وَلَمْ تُضَيَّعْ بِسَبَبِهَا الْوَاجِبَاتُ: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا ۚ أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [الْمُجَادَلَةِ: ٦]، يَا أَصْحَابَ الْجَوَّالَاتِ، وَيَا أَصْحَابَ الصَّفَحَاتِ الْوَهْمِيَّةِ عَلَى مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ، رَاقِبُوا اللهَ جَلَّ وَعَلَا، الْقَائِلُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النِّسَاءِ: ١]، الْقَائِلُ: ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾ [الْعَلَقِ: ١٤]، الْقَائِلُ: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾ [الْحَدِيدِ: ٤]، الْقَائِلُ: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طَهَ: ٤٦]. لِذَا يَجِبُ أَنْ نُرَبِّيَ أَنْفُسَنَا وَأَوْلَادَنَا عَلَى مُرَاقَبَةِ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا فِي جَمِيعِ تَصَرُّفَاتِ حَيَاتِنَا، وَأَنَّ اللَّهَ مُطَّلِعٌ عَلَيْنَا وَيَرَانَا. وَقُلْ لَهُ يَا وَلَدِي:
إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا فَلَا * تَقُلْ خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ
وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ يَغْفَلُ سَاعَةً * وَلَا أَنَّ مَا يُخْفَى عَلَيْهِ يَغِيبُ
وَإِذَا خَلَوْتَ بِرِيبَةٍ فِي ظُلْمَةٍ * وَالنَّفْسُ دَاعِيَةٌ إِلَى الطُّغْيَانِ
فَاسْتَحْيِ مِنْ نَظَرِ الإِلَهِ وَقُلْ لَهَا * إِنَّ الَّذِي خَلَقَ الظَّلَامَ يَرَانِي
يَا أَصْحَابَ الْجَوَّالَاتِ، وَيَا أَصْحَابَ الصَّفَحَاتِ الْوَهْمِيَّةِ عَلَى مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ، اعْلَمُوا يَقِينًا: قَوْلَ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ . كِرَامًا كَاتِبِينَ . يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الانْفِطَارِ: ٩-١١]، وَاعْلَمُوا يَقِينًا قَوْلَ الْقَائِلِ: وَمَا مِنْ كَاتِبٍ إِلَّا سَيَفْنَى * وَيَبْقَى الدَّهْرُ مَا كَتَبَتْ يَدَاهُ
فَلَا تَكْتُبْ بِكَفِّكَ غَيْرَ شَيْءٍ * يَسُرُّكَ فِي الْقِيَامَةِ أَنْ تَرَاهُ
يَا أَصْحَابَ الْجَوَّالَاتِ وَيَا أَصْحَابَ الصَّفَحَاتِ الْوَهْمِيَّةِ عَلَى مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ، اعْلَمُوا يَقِينًا: أَنَّهُ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ، فَلَا يَقُلْ قَائِلٌ: لَعَلِّي أَشْتَرِكُ بِحِسَابٍ وَهْمِيٍّ فِي تِلْكَ الصَّفْحَةِ، وَبِالتَّالِي أَغُوصُ فِيهِ بِمَا لَذَّ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمُنْكَرَاتِ وَالْعَلَاقَاتِ الْمَشْبُوهَةِ وَالصُّوَرِ الْمُنْكَرَةِ وَالْمَقَاطِعِ الْمَاجِنَةِ! بِلَا رَقِيبٍ وَلَا حَسِيبٍ، أَوْ قَدْ أَفْتَحُ صَفْحَتِي مِنْ جِهَازِي الْمَحْمُولِ، فَلَا يَرَانِي أَحَدٌ، كَلَّا وَحَاشَا… فَمَنْ خَلَقَكَ وَخَلَقَ الْكَوْنَ بِأَسْرِهِ مُطَّلِعٌ عَلَى كُلِّ حَرَكَةٍ وَسَكَنَةٍ، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ٥]، ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الْكَهْفِ: ٤٩]. يَا أَصْحَابَ الْجَوَّالَاتِ وَيَا أَصْحَابَ الصَّفَحَاتِ الْوَهْمِيَّةِ عَلَى مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ، اعْلَمُوا يَقِينًا: أَنَّ الْمَسْتُورَ سَيَنْكَشِفُ، وَيُصْبِحُ السِّرُّ عَلَانِيَةً، وَالْمَكْنُونُ مَشْهُورًا: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾. فَاللَّهَ اللَّهَ فِي اسْتِثْمَارِ مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ بِأَحْسَنِ الْأَوْجُهِ وَأَنْفَعِهَا، وَإِيَّاكَ وَمُغَرِّيَاتِهَا؛ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ نِعْمَةً تَحْصُدُ ثِمَارَهَا فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ، أَوْ تُصْبِحَ نِقْمَةً تَجْنِي وَيْلَاتِهَا فِي أَسْفَلِ سَافِلِينَ – عِيَاذًا بِاللَّهِ – فَهِيَ بَيْنَ النِّعْمَةِ وَالنِّقْمَةِ، وَالنَّتِيجَةُ إِمَّا: ﴿فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ . فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾ [الْقَمَرِ: ٥٤–٥٥]، وَإِمَّا: ﴿فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ . يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ﴾ [الْقَمَرِ: ٤٧–٤٨]. نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ. فلابد من المراقبة وعدم نشر الشائعات الباطله وعدم نشر الفواحش وعدم الاشتراك في المواقع الاباحيه والبعد عن الصفحات الوهيمة لتنجوا في الدنيا والاخرة .وتذكر قَوْلَ النبي سَيِّدِ الْأَنَامِ ﷺ ((كَفَى بالمرءِ كذِبًا أن يحدِّثَ بِكُلِّ ما سمِعَ)) وتذكر قَوْلَ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا(( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )) . فَيَا هَذَا: نَفَسُكَ مَعْدُودٌ، وَعُمْرُكَ مَحْسُوبٌ، فَكَمْ أَمَّلْتَ أَمَلًا وَانْقَضَى الزَّمَانُ وَفَاتَكَ، وَلَا أَرَاكَ تُفِيقُ حَتَّى تَلْقَى وَفَاتَكَ. فَاحْذَرْ زَلَلَ قَدَمِكَ، وَخَفْ طُولَ نَدَمِكَ، وَاغْتَنِمْ حَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ، فَتُبْ إِلَى رَبِّكَ، وَاسْتَعِدَّ لِيَوْمِ الْفَقْرِ الْأَعْظَمِ. كَمَا قَالَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: “أَتَدْرُونَ مَا يَوْمُ فَقْرِي؟” قَالُوا: بَلَى. قَالَ: “يَوْمَ أَدْخُلُ قَبْرِي”.
تَاللَّهِ لَوْ عَاشَ الفَتَى مِنْ دَهْرِهِ أَلْفًا مِنَ الأَعْوَامِ مَالِكَ أَمْرِهِ
مُتَلَذِّذًا فِيهَا بِكُلِّ نَفِيسَةٍ مُتَنَعِّمًا فِيهَا بِنُعْمَى عَصْرِهِ
لَا يَعْتَرِيهِ السُّقْمُ فِيهَا مَرَّةً كَلَّا وَلَا تَرِدِ الهُمُومُ بِبَالِهِ
مَا كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي أَن يَفِي بِمَبِيتِ أُولَى لَيْلَةٍ فِي قَبْرِهِ
حَفِظَ اللهُ مِصْرَ مِنْ كَيْدِ الكَائِدِينَ، وَشَرِّ الفَاسِدِينَ، وَحِقْدِ الحَاقِدِينَ، وَمَكْرِ المَاكِرِينَ، وَاعْتِدَاءِ المُعْتَدِينَ، وَإِرْجَافِ المُرْجِفِينَ، وَخِيَانَةِ الخَائِنِينَ.
كَتَبَهُ العَبْدُ الفَقِيرُ إِلَى عَفْوِ رَبِّهِ د/ مُحَمَّدٌ حِرْزٌ إِمَامٌ بِوِزَارَةِ الأَوْقَافِ