يستعرض «زووم مصر» خطبة الجمعة القادمة للدكتور: محمد حرز بعنوان “تعزيز الهوية ودورها في صناعة الحضارة”، بتاريخ 7 رمضان 1446هـ الموافق 7 مارس 2025م.
ويمكن تحميل خطبة الجمعة القادمة 7 مارس 2025 للدكتور محمد حرز بعنوان تعزيز الهوية ودورها في صناعة الحضارة كام نشرتها وزراة الأوقاف المصرية عبر الصفحة الرسمية لها على موقع التواصل الاجتماعي “الفيسبوك” بصيغة word اضغط هنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا.
كما يمكن لجميع الأئمة والخطباء المتابعين لفضيلة الدكتور الشيخ محمد حرز في جميع محافظات مصر أن يتمكنوا من تحميل خطبة الجمعة القادمة 7 مارس 2025 بعنوان تعزيز الهوية ودورها في صناعة الحضارة بصيغة pdf من هنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 7 مارس 2025 بعنوان: تعزيز الهوية ودوروها في صناعة الحضارة
- أولًا: هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ.
- ثانيـــًـا:أسبابُ ضعفِ الهويةِ عندَ شبابِنَا.
- ثالثـــًـا :كيفيةُ المحافظةِ على الهويةِ؟
- رابعًا وأخيرًا: رمضانُ شهرُ المحافظةِ على الهويةِ!!!
د. مُحمد حرز .. 7 رمضان بتاريخ 1446هـ، الموافق، 7مارس2025م
الحمدُ للهِ القائلِ في مُحكمِ التنزيلِ: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ ﴾ [الحج: 78]، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ…. روى الإمامُ مسلم في صحيحِه عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: « مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى »
وَمِمَّا زَادَنِي شَرَفًا وَتِيهًا *** وَكِدْتُ بِأَخْمَصِي أَطَأُ الثُّرَيَّا
دُخُولِي تَحْتَ قَوْلِكَ: يَا عِبَادِي *** وَأَنْ صَيَّرْتَ أَحْمَدَ لِي نَبِيَّا
فاللهُمَّ صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ المختارِ وعلى آلهِ وأصحابِه الأخيارِ الأطهارِ وسلمْ تسليمًا كثيرًا إلي يومِ الدينِ .أمَّا بعدُ …..فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (آل عمران :102(
عبادَ اللهِ : (تعزيزُ الهويةِ ودورُهَا في صناعةِ الحضارةِ)، عنوانُ وزارتِنا وعنوانُ خطبتِنا،
أيُّها السادةُ : ما أحوجَنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلي أنْ يكونَ حديثُنا عن الهويةِ وكيفيةِ المحافظةِ عليهَا وعن دورِهَا في صناعةِ الحضاراتِ، وخاصةً و إِنَّ الْهُوِيَّةَ هِيَ وُجْهَةُ الْإِنْسَانِ الَّتِي يُوَلِّيهَا وَجْهَهُ، وَإِنَّ هُوِيَّةَ الشَّبَابِ هِيَ الَّتِي تُحَدِّدُ اتِّجَاهَاتِهِ، فَإِنْ كَانَتْ هُوِيَّتُهُ هِيَ الْإِسْلَامُ وَعَقِيدَةُ الْإِسْلَامِ، خَرَجَ شَبَابٌ وَاعِيٌ طَامِحٌ إِلَى الْمَعَالِي، حَامِلٌ لِهُمُومِ أُمَّتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ هُوِيَّتُهُ غَيْرَ الْإِسْلَامِ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْأَهْوَاءُ فِي أَوْدِيَتِهَا. وخاصةً ونعيشُ زمانًا هناكَ مؤامراتٌ بالليلِ والنهارِ للنيلِ مِن هويتِنَا وطمسِهَا وتغييرِهَا مِن أعداءِ الاسلامِ ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ، وخاصةً ونحن في شهرِ رمضانَ شهرِ الصيامِ والقرآنِ شهرِ الطاعاتِ والعباداتِ شهرِ المحافظةِ على الهُويَّةِ بل وأعلنُهَا في كلِّ مكانٍ في الشوارعِ والبيوتِ والمدارسِ والمعاهدِ والجامعاتِ، وخاصةً والأمةُ الإسلاميةُ تُعانِي في هذا العصرِ مِن مرضِ ضياعِ الهويةِ، وهو داءٌ عضالٌ لابدَّ لهُ مِن علاجٍ ناجحٍ، والوصفةُ الطبيةُ لعلاجِ هذا المرضِ العضالِ تبدأُ مِن الفردِ وتنتهِي بالمجتمعِ، وخاصة والهُويَّةُ بالنسبةِ للأمةِ بمثابةِ البصمةِ التي تُميزُهَا عن غيرِهَا، والثوابتِ التي تتجدَّدُ، ولكنَّهَا لا تتغيَّرُ، ولا يمكنُ لأمةٍ تريدُ لنفسِهَا البقاءَ والتميُّزَ أنْ تتخلَّى عن هُويتِهَا، فإذا حدثَ ذلكَ فمعناهُ: أنَّ الأمةَ فقدتْ استقلالَهَا وتميُّزَهَا، وأصبحتْ بدونِ محتوى فكرِي، أو رصيدٍ حضاري، ومِن ثَمَّ تَتَفَكَّكُ أواصرُ الولاءِ بينَ أفرادِهَا، وتتلاشَى شبكةُ العلاقاتِ الاجتماعيةِ فيها، والنتيجةُ المحتَّمَةُ هي السقوطُ الحضاريُّ المدوِّي؛ بل وتداعي الأممُ عليهَا كما تداعَى الأكَلةُ إلى قصعتِهَا، فتأكلُ خيرَهَا، وتغزو فكرَهَا، وتطمسُ معالمَ وجودِهَا، وتمحُو أثرَهَا مِن ذاكرةِ التاريخِ وصدقَ المعصومُ ﷺ إذ يقولُ: ( يوشكُ الأممُ أنْ تتداعَى عليكم، كمَا تتداعَى الآكلةُ إلى قصعتِهَا، فقال قائلٌ: ومِن قلةٍ بنَا نحنُ يومئذٍ ؟ ! قال : بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنّكُم غثاءٌ كغثاءِ السيلِ، ولينزعنَّ اللهُ مِن صدورِ عدوِّكُم المهابةَ منكُم، وليَقذفنَّ في قلوبِكُم الوهنَ، قال قائلٌ: يا رسولَ اللهِ! وما الوهنُ؟ قال: حبُّ الدنيا، وكراهيةُ الموتِ).
أولًا: هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ.
أيُّها السادةُ: لقد جاءَ الإسلامُ دينًا كاملًا، وهديًا شاملًا ، ونهجًا عادلًا، وأمرَ المؤمنينَ أنْ يكونُوا أمةً وسطًا ليكونُوا شهداءَ على الناسِ، قالَ جلَّ وعلا: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)، وأمرَهُم وأنْ يكونُوا على صراطٍ مستقيمٍ دينًا قيمًا ملةَ إبراهيمَ حنيفًا وما كان مِن المشركين، فكان دعاءُ الواحدِ منهُم في صلاتِهِ: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ )، وأمرَهُم أنْ تكونَ لهم الصدارةُ في الفكرِ والعملِ لا يتبعونَ غيرَهُم، فهديُ الإسلامِ خيرُ هدىٍ وأتمُّ منهجٍ، لا يشابهُ هديهُم هدىَ الأممِ الأخرَى فهُم خيرُ أمة أخرجتْ للناسِ، قال اللهُ جلَّ جلالُهُ: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ) .
بل أمَرنَا أنْ نعلنَهَا واضحةً لأهلِ الكتابِ وغيرِهِم بقولِهِ تعالى :﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ آل عمران: 64.
وكيفَ لا؟ والإسلامُ هو دينُ اللهِ جلَّ جلالُهُ الذي ارتضاهُ للناسِ وأرسلَ مِن أجلِهِ الرسلَ عليهم الصلاةُ والسلامُ، قال تقدستْ أسماؤهُ: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ آل عمران: 19.والإسلامُ هو هويةُ الأمةِ، ودينُهَا، ونجاتُهَا وعزُّهَا في الدارينِ، قالَ جلَّ وعلا: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا.. ﴾ المائدة: 3 . وكيفَ لا؟ وإنَّ مِن فضلِ اللهِ علينَا أنْ جعلَ لغتَنَا اللغةَ العربيةَ، وهي لغةٌ كرّمَهَا اللهُ سبحانَهُ عن باقِي اللغاتِ؛ فإنّهَا لغةُ القرآنِ الكريمِ الذي أنزلَ على سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، قال اللهُ تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)}، [الشعراء: 192 – 195، لذا فالدخولُ تحتَ ( الهويةِ الإسلاميةِ ) والاندماجُ فيهَا ليس أمراً اختياريًا ولا مستحباً، ولكنهُ فرضٌ متعينٌ على كلِّ بني آدمَ المكلفين، إلى أنْ يرثَ اللهُ الأرضَ ومَن عليهَا، قالَ عزَّ وجلَّ: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا }، وقالَ سبحانه:{ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ )، وروى مسلمٌ بسندِهِ عن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: ” و الذي نفْسُ مُحمدٍ بيدِهِ ، لا يسمعُ بي أحدٌ من هذه الأمةِ، لا يهودِيٌّ، و لا نصرانِيٌّ، ثُمَّ يموتُ ولم يؤمِنْ بالذي أُرْسِلْتُ به، إلَّا كان مِن أصحابِ النارِ”، ومِن فضلِ اللهِ -تعالى- علينَا -معشرَ المسلمين- أنّهُ تفضلَ علينَا بأعظمِ هويةٍ، وأجلّ عقيدةٍ، وأقومِ سبيلٍ، هي هويةُ الدينِ الحنيفِ الهويةُ الإسلاميةُ ولو كرِهَ الكافرون، ولو أغاظَ ذلك المشركين، يقولُ اللهُ جلّ وعلا: (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ) [الحـج: 78]، فاللهُ -تعالى- وحدَهُ شرّفَ المسلمين، فسماهُم: مسلمين، وكيف لا؟ والْهُوِيَّةٌ الْإِسْلَامِيَّةُ هِيَ تلكمُ الِانْتِمَاءُ وَالْوَلَاءُ إِلَى تَعَالِيمِ الْإِسْلَامِ وَشَرَائِعِهِ وَشَعَائِرِهِ، وَهِيَ تِلْكَ النَّزْعَةُ وَالْمَيْلُ وَالْغَيْرَةُ عَلَى كُلِّ مَا هُوَ إِسْلَامِيٌّ، وَهِيَ ذَلِكَ الشِّعَارُ الَّذِي يَتَمَيَّزُ بِهِ الْمُسْلِمُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَهِيَ الرِّبَاطُ الَّذِي يَرْبِطُ الْمُسْلِمَ بِرَبِّهِ الْوَاحِدِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَبِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَهِيَ تِلْكَ الصِّبْغَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ الَّتِي تَصْطَبِغُ حَيَاةَ الْمُسْلِمِ وَسُلُوكَهُ وَخَطَرَاتِهِ وَكَلِمَاتِهِ: (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً)[الْبَقَرَةِ: 138. وَهَذِهِ الصِّبْغَةُ الرَّبَّانِيَّةُ هِيَ الَّتِي يَعْتَزُّ بِهَا الْمُسْلِمُ وَيَفْتَخِرُ وَيَصْدَحُ فِي الْعَالَمِينَ قَائِلًا:
أَبِي الْإِسْلَامُ لَا أَبَ لِي سِوَاهُ *** إِذَا افْتَخَرُوا بِقَيْسٍ أَوْ تَمِيمِ
وَالْهُوِيَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ هِيَ تِلْكمُ الْجَامِعَةُ الَّتِي تَجْمَعُ كُلَّ مُسْلِمٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بِإِخْوَانِهِ مَهْمَا اخْتَلَفَتْ بُلْدَانُهُمْ وَأَلْوَانُهُمْ وَأَلْسِنَتُهُمْ، مِصْدَاقُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ) :إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً)[الْأَنْبِيَاءِ:92. فالهويةُ الإسلاميةُ صاحبةُ عقيدةٍ قويةٍ صادقةٍ تؤمنُ باللهِ وملائكتِهِ وكتبِهِ ورسلِهِ واليومِ الآخرِ والقدرِ خيرِهِ وشرِّهِ حلوهِ ومرهِ، تعلمُ أنَّ ما أخطأهَا لم يكنْ ليصيبَهَا، وما أصابَهَا لم يكنْ ليخطئَهَا ، فرضيتْ باللهِ ربًّا ، وبالإسلامِ دينًا ، وبمُحمدٍ ﷺ نبيًّا ورسولًا، وهذا ما مميزُهَا عن غيرِهَا، وجعلَهَا عزيزةً أبيةً تأبَى الخضوعَ إلّا للهِ، والذلَّ إلّا لهُ، والتوكلَ إلّا عليهِ، والثقةَ إلّا بهِ، واليقينَ إلّا فيهِ، والرجاءَ إلّا فيهِ، والطمعَ إلّا فيمَا عندَهُ، ميزانُهَا ليسَ للونِ أو لجنسٍ ولكن ميزانُهَا التقوى، ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [سورة الحجرات:13 ، وقال المعصومُ ﷺ في حجةِ الوداعِ: « يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلاَ لاَ فَضْلَ لعربي عَلَى أَعْجَمِىٍّ وَلاَ لِعَجَمِىٍّ عَلَى عَرَبِي وَلاَ لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلاَّ بِالتَّقْوَى أَبَلَّغْتُ ».
إنّهَا هويةُ العقيدةِ التي جعلتْ الصحابيَّ الجليلَ عبدَ اللهِ بنَ عبدِ اللهِ بنَ أُبى يمنعُ أباهُ مِن دخولِ بيتهِ لمّا علمَ أنّ أباهُ وصفَ رسولَ اللهِ ﷺ بالأذلِّ.
فعن ابنِ زيدٍ قال: دعا رسولُ اللهِ ﷺ عبدَ اللهِ بنَ عبدِ اللهِ بنَ أُبي قال: ألَا ترَى ما يقولُ أبوك؟ قال: ما يقولُ أبي؟ – بأبِي أنتَ وأُمي – قال : يقولُ لئن رجعنَا إلى المدينةِ ليخرجنَّ الأعزُّ منهَا الأذل. فقال: فقد صدقَ واللهِ يا رسولَ اللهِ، أنت واللهِ الأعزُّ وهو الأذلُّ. أمَا واللهِ لقد قدمتَ المدينةَ يا رسولَ اللهِ وأنّ أهلَ يثربَ ليعلمونَ ما بهَا أحدٌ أبرّ بوالدهِ منِّي . ولئن كان يرضي اللهَ ورسولَهُ أنْ آتيهمَا برأسهِ لآتيهمَا بهِ، فقالَ رسولُ اللهِ ﷺ: ” لا ” .. فلمَّا قدمُوا المدينةَ قامَ عبدُ اللهِ بنُ عبدِ اللهِ بنُ أُبي على بابِهَا بالسيفِ لأبيهِ، قال: أنت القائلُ: لئن رجعنَا إلى المدينةِ ليخرجنَّ الأعزُ منهَا الأذل ؟ أمَا واللهِ لتعرفنَّ العزةَ لكَ أو لرسولِ اللهِ ﷺ؟ واللهِ لا يأويكَ ظلُّهَا ولا تأويهِ أبداً إلّا بإذنٍ مِن اللهِ ورسولِهِ. فقال: يا للخزرجِ! ابنِي يمنعنِي بيتِي ! يا للخزرجِ ابنِي يمنعنِي بيتِي ! فقال : واللهِ لا يأويهِ أبداً إلّا بإذنٍ منهُ. فاجتمعَ إليهِ رجالٌ فكلموهُ فقال: والله لا يدخلنَّ إلّا بإذنٍ مِن اللهِ ورسولِهِ. فأتوا النبيَّ ﷺ فأخبروهُ فقالَ: ” اذهبوا إليهِ فقولُوا لهُ: خلهِ ومسكنه “، فأتوهُ فقالَ: أمَا إذ جاءَ أمرُ النبيِّ ﷺ فنعم .. ولعلِّي أختمُ التوجيهاتِ الشرعيةَ بمقولةٍ في غايةِ الشموخِ، والرفعةِ للإنسانِ المسلمِ، وهي للفاروقِ عمرَ بنِ الخطابِ – رضي اللهُ عنه -: ” إنَّا كنَّا أذلَّ قومٍ فأعزنَا اللهُ بالإِسلامِ، فمهمَا نطلبُ العِزَ بغيرِ ما أعزَّنَا اللهُ بهِ أذلّنَا اللهُ ).
ثانيـــًـا:أسبابُ ضعفِ الهويةِ عندَ شبابِنَا.
أيُّها السادةُ :إِنَّ مِنَ الْمَصَائِبِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي تُصِيبُ شَبَابَنَا الْيَوْمَ فِقْدَانَهُمْ لِهُوِيَّتِهِمُ الْإِسْلَامِيَّةِ، فَتَرَاهُمْ مُنْبَهِرِينَ بِحَضَارَةِ الْغَرْبِ، سَاعِينَ لِلتَّشَبُّهِ بِهِ، وَتَرَاهُمْ يَرْفَعُونَ رَايَاتِ وشعارات الدُّوَلِ الْأَجْنَبِيَّةِ، أَوْ يُعَلِّقُونَهَا فِي غُرَفِهِمْ، وَيَلْبَسُونَ مِثْلَ مَلَابِسِهِمْ، وَيَتَكَلَّمُونَ بِلُغَاتِهِمْ! حتى في قصاتِ شعرهِم يقلدونَ تقليدًا أعمَى، وَقَدْ حَذَّرَ رَسُولُنَا ﷺ مِنْ ذَلِكَ قَائِلًا: “مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ” وإِنَّ لِفِقْدَانِ الشَّبَابِ لِهُوِيَّتِهِمُ الْإِسْلَامِيَّةِ أَسْبَابًا عَدِيدَةً، مِنْهَا على سبيلِ المثالِ لا الحصر:
منها : قِلَّةُ الْعِلْمِ وَالْوَعْيِ: فَيَكْثُرُ فِي أَوْسَاطِ الشَّبَابِ الْجَهْلُ بِالدِّينِ، وَهُوَ مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ : ” مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: أَنْ يَقِلَّ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ”(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَيَقِلُّ عِنْدَهُمُ الْوَعْيُ فَتُصْبِحُ نَظْرَتُهُمْ لِلْأُمُورِ سَطْحِيَّةً؛ يَنْخَدِعُونَ بِالْمَظَاهِرِ وَيَكْتَفُونَ بِالْقُشُورِ! فالجهلُ مِن أخطرِ أسبابِ الضلالِ والانحرافِ عن الحقِّ والهدى والصوابِ، ففي الصحيحينِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ـ رضي الله عنهماـ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: ” إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا ، يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا ، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا ، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا ” ، وصدقَ مَن قال: ( خيرُ المواهبِ: العقلُ، وشرُّ المصائبِ: الجهلُ( .
ومنها : الغفلةُ والِانْشِغَالُ بِاللَّهْوِ وَالشَّهَوَاتِ والتهالكُ عن الدنيا والغفلةُ عن الآخرةِ، سلّمْ يا ربِّ سلّمْ: فَهَمُّهُ مَا يَلْبَسُ وَمَا يَرْكَبُ وَمَا يَأْكُلُ، قَبِلَتُهُ إِرْضَاءُ نَزَوَاتِهِ، وَبُغْيَتُهُ إِشْبَاعُ رَغَبَاتِهِ! وَلَا يَهْتَمُّ بِغَيْرِ ذَلِكَ. ، فمِن الناسِ الآنَ كلُّ همِّهِ الدنيا كلُّ غايتِهِ الدنيا انصرفَ بكلِّ طاقتِهِ إلى الدنيا مع أنَّهُ لن يحصلَ مِن الدنيا إلَّا ما قدرَهُ لهُ الملكُ جلَّ في علاه؛ لقولِ النبيِّ المختارِ ﷺ كما في حديثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ” رواه الترمذي، فحبُّ الدنيا رأسُ كلِّ خطيئةٍ ،كما في الحكمةِ المشهورةِ، والغفلةُ هي ثمرةُ حبِّ الدنيا، قالَ جلَّ وعلَا (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) (الروم:7)، قالَ ابنُ كثيرٍ في تفسيرهِ: فإنَّ أكثرَ الناسِ ليسَ لهُم علمٌ إلَّا بالدنيا وشؤونِهَا ، فهم فيها حُذَّاقٌ ، أذكياءٌ في تحصيلِهَا ووجوهِ مكاسبِهَا ،وهم غافلُون عن أمورِ الدينِ وما ينفعُهُم في الدارِ الآخرةِ، كأنَّ أحدَهُم لا ذهنَ لهُ ولا فكرةَ، وقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: وَاللَّهِ لَبَلَغَ مِن أحدِهِم بدنياهُ أنْ يَقْلِبَ الدِّرْهَمَ عَلَى ظُفْرِهِ، فَيُخْبِرُكَ بِوَزْنِهِ وَمَا يُحْسِنُ أَنْ يُصَلِّيَ .فبعضُ الناسِ يجلسُون مع بعضِهِمُ البعض كلُّ حديثِهِم عن الدنيا، عن المالِ، عن النساءِ، عن الشهوات، عن الربحِ عن الخسارةِ وهم عن الآخرةِ هم غافلون، لذا حذرَ اللهُ مِن التهالِكِ عن الدنيا، والغفلةِ عن الآخرةِ فقالَ ربُّنَا: { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ) سورة التكاثر 1-2 )، شغلَكُم حبُّ الدنيا ونعيمُهَا وزهرتُهَا عن طلبِ الآخرةِ وابتغائِهَا، وتمادَى بكُم ذلك حتى جاءَكُم الموتُ وزرتُم المقابرَ، وصرتُم مِن أهلِهَا، عن عبدِ اللهِ بن الشِّخِّير أنَّه قالَ أتيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلم وهو يقرأُ {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}، قالَ “يقولُ ابنُ آدمَ: مالِي مالِي! وهل لك مِن مالِكَ إلّا ما أكلتَ فأفنيتَ، أو لبستَ فأبليتَ، أو تصدقتَ فأمضيتَ؟”(رواه مسلم).
ومنها: البحثُ عن التحضرِ والمدنيةِ في الشرقِ والغربِ، فَالتَّحَضُّرُ عِنْدَهُمْ هُوَ اتِّبَاعُ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَا يَفْعَلُونَ، وَالتَّأَخُّرُ هُوَ مُخَالَفَتُهُمْ! وَكَأَنَّهُمْ مَا تَلَوْا يَوْمًا قَوْلَ اللَّهِ -تَعَالَى )أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا)[النِّسَاءِ: 139(، فأين الحضارةُ: يا مسلمون في الشرقِ والغربِ أم في نبيِّ الإسلامِ ﷺ ؟ القائلِ كما في حديثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:“ دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ“ متفق عليه.
أين الحضارةُ يا مسلمون في الشرق والغربِ أم في نبيِّ الإسلامِ ﷺ؟ القائلِ كما في حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:“ بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ فَقَالَ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا قَالَ فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ” رواه البخاري.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ:“ غُفِرَ لِامْرَأَةٍ مُومِسَةٍ مَرَّتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأْسِ رَكِيٍّ يَلْهَثُ قَالَ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ فَنَزَعَتْ خُفَّهَا فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا فَنَزَعَتْ لَهُ مِنْ الْمَاءِ فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ “ رواه البخاري