فجاء في يوم من الايام رجلٌ من الأنصار قد توفي زوج ابنته فجاء الى النبي -صل الله عليه وسلم- يعرضها عليه ليتزوجها النبي -صلي الله عليه وسلم- فقال له النبي : نعم ولكن لا أتزوجها أنا !! فرد عليه الأب : لمن يا رسول الله !! فقال -صلي الله عليه وسلم-: أزوجها جُليبيبا .. فقال ذلك الرجل: يا رسول الله تزوجها لجُليبيب ، يارسول الله إنتظر حتى أستأمر أمها !! ثم مضى إلى أمها وقال لها أن النبي رسول الله صلي الله عليه وسلم يخطب إليك ابنتك قالت : نعم ونعمين برسول الله صلي الله عليه وسلم ومن يردّ النبي -صلي الله عليه وسلم .-.
فقال لها : إنه ليس يريدها لنفسه …!! قالت : لمن ؟ قال : يريدها لجُليبيب !! قالت : لجُليبيب لا لعمر الله لا أزوِّج جُليبيب وقد منعناها فلاناً وفلانا فاغتمّ أبوها لذلك ثم قام ليأتي النبي صلي الله عليه وسلم فصاحت الفتاة من خدرها وقالت لأبويها : من خطبني إليكما؟؟ قال الأب : خطبك رسول الله -صلي الله عليه وسلم .-.
قالت : أفتردَّان على رسول الله -صلي الله عليه وسلم – أمره ،
ادفعاني إلى رسول الله فإنه لن يُضَيِّعني ! قال أبوها : نعم .. ثم ذهب إلى النبي صلي الله عليه وسلم وقال : يا رسول الله شأنك بها فدعى النبي صل الله عليه وسلم جُليبيبا ثم زوّجه إياها ورفع النبي -صلي الله عليه وسلم- كفيه الشريفتين وقال: اللهم صُبَّ عليهما الخير صبّاً ولا تجعل عيشهما كَدَّاً كَدّاً !! ثم لم يمضِ على زواجهما أيام حتى خرج النبي -صلي الله عليه وسلم- مع أصحابه في غزوة وخرج معه جُليبيب فلما انتهى القتال اجتمع الناس و بدأوا يتفقدون بعضهم بعضاً فسألهم النبي صلي الله عليه وسلم وقال: هل تفقدون من أحد؟
قالوا : نعم يا رسول الله نفقد فلان وفلان كل واحد منهم إنما فقد تاجراً أو فقد ابن عمه أو أخاه … فقال -صلي الله عليه وسلم- : نعم ومن تفقدون ؟ قالوا : هؤلاء الذين فقدناهم يا رسول الله .. فقال -صلي الله عليه وسلم- ولكنني أفقد جُليبيباً .. فقوموا نلتمس خبره ثم قاموا وبحثوا عنه في ساحة القتال وطلبوه مع القتلى ثم مشوا فوجدوه في مكان قريب إلى جنب سبعة من المشركين قد قتلهم ثم غلبته الجراح فمات .
فوقف النبي صلي الله عليه وسلم على جسده المقطع ثم قال : قتلتهم ثم قتلوك أنت مني وأنا منك ، أنت مني وأنا منك. ثم تربَّع النبي -صلي الله عليه وسلم- جالساً بجانب هذا الجسد ثم حمل هذا الجسد ووضعه على ساعديه -صلي الله عليه وسلم-وأمرهم أن يحفروا له قبراً ..
قال أنس : فمكثنا والله نحفر القبر وجُليبيب ماله فراش غير ساعد النبي -صلي الله عليه وسلم .-.
***
القصة السادسة
دلوني علي قبرها
في الإسلام، قيمة الإنسان لا تتعلق بمكانته الاجتماعية أو وظيفته، بل بكونه إنسان, حتي لو كان يقوم بأبسط الأعمال، مُعلنًا أن كل عمل خالص لله، مهما كان متواضعًا، يُرفع به الإنسان ويُكرَّم عند الله, بل أنه -صلي الله عليه وسلم- وقف لجنازة يهودي, احتراما للروح الانسانية التي كرمها الله.
كانت امرأة سوداء تنظف المسجد وتكنسه, ولما غابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-, سأل عنها ، فأخبروه أنها ماتت، فقال -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: «أفلا كنتم آذنتموني» فأعلمتموني بموتها، وفي رواية الصحيحين أنهم قللوا من شأن الميت ولم يهتموا به كثيرا.
فقال له أحد الصحابة : «كرهنا أن نوقظك ليلا». ثم قال النبي -صلي الله عليه وسلم – “: دلوني علي قبرها, وصلى عليها عند القبر بعد أن دفنت, وذلك لرفعة منزلة من يقومون على نظافة وخدمة بيوت الله (اذا حسنت النية).
***
القصة السابعة
كيف أغرم من لا شرب ولا أكل
قيمة الإنسان سبقت روحه ونفسه وطعامه وشرابه, وهو في رحم أمه, ويظهر ذلك في حرص الإسلام على حفظه ورعايته واقراره لحقوقه قبل واجباته، فالإنسان مكرّم عند الله في كل مراحله.
اقتتلتا امرأتين من قبيلة هذيل ، «ضربت إحداهما» وهي أم عفيف بنت مسروح «الأخرى» وهي مليكة بنت عويمر «بحجر، فأصاب بطنها وهي حامل، فقتلت» الجنين الذي في بطنها، فتنازعوا الأمر وتحاكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقضى على الجانية دية للجنين الذي كانت سببا في إسقاطه، غرة: عبدا أو أمة، وأصل الغرة: البياض في الوجه، ثم استخدم في الجسم كله، فلما سمع زوجها -وهو الصحابي حمل بن مالك بن النابغة الهذلي -رضي الله عنه- ذلك قال: «كيف أغرم -يا رسول الله- من لا شرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل» أي: نزل صارخا عند الولادة، يعني: كيف ندفع دية لمن لم يولد ويرى الحياة؟! «فمثل ذلك يطل!»، أي: مثل ذلك الدم يكون هدرا ولا تكون فيه دية.
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إنما هذا من إخوان الكهان»؛ لمشابهته لهم في كلامهم الذي يزينونه بسجعهم، فيردون به الحق ويقرون الباطل، والكاهن: هو من يدعي علم الغيب والإخبار بما سيقع مستقبلا، وكان للكهان كلام مسجوع يروجون به الباطل.
***
القصة الثامنة
ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته
الإسلام دين عدالة ورعاية، أقر لكل إنسان كرامته وحقوقه، وأنه عند الله غالٍ مُنصفاً, مهما تقدم به السن أو ضعفت قوته, أو حتي علي غير ملة الاسلام, تكرمة للإنسان الذي خلقه الله في أحسن تقويم ونفخ فيه من روحه.
مر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بباب قوم وعليه سائل يسأل : شيخ كبير ضرير البصر ، فضرب عضده من خلفه , وقال : من أي أهل الكتاب أنت ؟ فقال : يهودي , قال : فما ألجأك إلى ما أرى ؟ قال : أسأل الجزية والحاجة والسن , قال : فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منزله فرضخ له بشيء من المنزل. ثم أرسل إلى خازن بيت المال , فقال : انظر هذا وضرباءه ، فو الله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم إنما الصدقات للفقراء والمساكين .
***
القصة التاسعة
أيهما عمر
تواضع القائد وعدله يجعل الأمة عظيمة, كيف يُقدّم القائد خادمه ويتأخر هو, وكيف يريح خادمة ويتعب هو, انها مدرسة الجمال, والتي علمت البشرية أن للإنسان قيمة تعلموها من النبي – صلي الله عليه وسلم- , بل إن القيم يمكن جهلها عند البعض ولا يمكن تجاهلها .
لما خرج الخليفة عمر بن الخطاب هو و خادمه و معهما ناقة واحدة فقط يركبها مرة وخادمه مرة, وبعد رحلة طويلة شاقة وصل الخليفة عمر و خادمه الى مشارف القدس. وصعد صفرونيوس وبطارقته الى اسوار القدس ونظروا الى الرجلين القادمين فأخبرهم المسلمون بأنهما ليسا سوى عمر وخادمه. فسألهم صفرونيوس ايهما عمر..؟ فاخبره المسلمون ان عمر هو هذا الذي يمسك بزمام الناقة ويخوض في الماء والوحل، وخادمه هو الذي يركب الناقة.. فذهل صفرونيوس والبطارقة، حيث ان هذا مذكور في كتبهم. فكانت العهدة العمرية و فتح القدس و اليوم العظيم للمسلمين.
وكتب اليهم “بسم اللّه الرحمن الرحيم. هذا ما أعطى عبد اللّه عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان. أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها ،وسائر ملتها. إنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ،ولا ينتقض منها ،ولا من خيرها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم ، ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود.
***
القصة العاشرة
أمير المؤمنين جاء معي!
الانسان تظله العدالة, ولا يظلها هو, والعدالة كالمطر تستر الجميع ولا تفرق, وتطبّق على الجميع بلا استثناء, وهو من المبادئ الاساسية للإسلام , يعلي من قيمة الانسان، والذي من أجله بسط الله الارض ورفع العدل, وجعلة فوق الجميع, حتى ولو كان الحق لغير المسلم, فالعبرة بالإنسان وليست بالإسلام.
وجد علي بن أبي طالب -رضى الله عنه- درعا له عند يهودي التقطها فعرفها ، فقال : درعي سقطت عن جمل لي أورق ، فقال اليهودي : درعي وفي يدي ، ثم قال له اليهودي : بيني وبينك قاضي المسلمين ، فأتوا شريحا قال : درعي سقطت عن جمل لي أورق والتقطها هذا اليهودي . فقال شريح : ما تقول يا يهودي ؟ قال : درعي وفي يدي ، فقال شريح : صدقت والله يا أمير المؤمنين إنها لدرعك ولكن لا بد من شاهدين ، فدعا قنبرا مولاه والحسن بن علي وشهدا أنها لدرعه ، فقال شريح : أما شهادة مولاك فقد أجزناها ، وأما شهادة ابنك لك فلا نجيزها ، ثم قال لليهودي : خذ الدرع ، فقال اليهودي : أمير المؤمنين جاء معي إلى قاضي المسلمين فقضى عليه ورضي ، صدقت ، والله يا أمير المؤمنين إنها لدرعك سقطت عن جمل لك التقطتها ، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فوهبها له علي وأجازه بتسعمائة وقتل معه يوم صفين .
***
اللهم إنا تبرأنا من كل حول الا حولك, وتبرأنا من كل قوة الا قوتك, وتبرأنا من كل عزة الا عزتك , وتبرأنا من كل نصرة الا نصرتك, اللهم بحولك وقوتك وعزتك ونصرتك إلا نصرت أخوانا لنا في فلسطين مستضعفين مخذولين, أجعل اللهم ثأرهم علي عدوهم ومن ظلمهم ومن خذلهم, أنزل الثبات عليهم وتحتهم, وسخر جنودك لهم, وأرنا عجائب قدرتك في عدوهم, وعارا يلحق بهم, يري من سبعين الف سنة وعيدا لما قبلها وأدبا لما بعدها. وأحفظ علينا مصرنا الحبيبة الغالية آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان, واحفظ علينا ديننا من الشبهات والشهوات.