كما أن الماء رحمة من الله تعالي للصالحين , يكون ايضا عذابا للفسقة والكافرين , وجند من جنود الله , وما يعلم جنود ربك الا هو , فهذا نبيُّ اللهِ هود -عليه السَّلام-أنذر قومه عاد وحذَّرَهم عذابَ اللهِ وبأسَه {بِالْأَحْقَافِ} موضعٌ معروف في الجنوب الشرقي من الجزيرة، وهو موضع فيه الرمال الكبيرة العظيمةُ قائلا لهم {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} ويحذِّرُهم منعذابَ اللهِ العاجلَ في الدُّنيا والآجلَ في الآخرة.
فردوا عليه ردا قبيحا {أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا} تصرفَنا، يقولون: جئتَنا؛ لتصرفَنا عن آلهتِنا، وهذا من الإصرارِ على الباطل، فهات ما عندَك، وهذا استخفافٌ بوعيد اللهِ، وهذه شِنشِنةُ أعداءِ الرُّسلِ، كلُّهم يقولون: هات، {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}.
ولما طالَ الزمان ولم يجدِ فيهم الإنذار جاءَهم العذابُ، وجاءهم بصورةٍ هي نوع من مكرِ اللهِ، جاءَهم بصورةِ الغيثِ والسحاب، وكانتْ لهم أوديةٌ، كانَ فيها مزارع، وكان هذا السحاب كأنه متوجه إلى أوديتِهم، قالَ: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا} كأنَّه متَّجهٌ إلى الأوديةِ الَّتي تسيلُ ويسقون منها, فهموا أنَّه سحابُ مطرٍ وأنَّه غيثٌ، وهذا من مكرِ اللهِ به، {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} قالَ اللهُ: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ} ليس هو بغيثٍ ولا سحابٌ ممطرٌ، {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} ريح عاتية، سماها عاتية في السور الأخرى، واستمرت ثمانيةَ أيامٍ وسبعَ ليالٍ، إذا بدأتْ صباحًا كما هي سُنَّةُ اللهِ في إهلاكِ المكذِّبين أن يأتيَهم العذابُ مصبِّحًا في وقت الفرحةِ بالنَّهار.
***
القصة السابعة
زمي زمي
كانت ميتا فأحياها الله بالماء فربت وأتاها الناس من كل ضامر افواجا ركبانا ورجالا, لا يزال تاريخ بيت الله العتيق، وماء زمزم، يوشيهما سحر المعجزة الإلهية والإنسانية؛ إبراهيم -عليه السلام- يترك زوجته وطفله في ذلك المكان القفر ويدير لهما الظهر ليمضي , وتناديه: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا؟ يمضي دون أن يقول شيئًا، واليقين يملأ صدره بأن الله لن يخلف وعده.
فتسأله وهي مدركة أن أمرًا يمنع زوجها من الرد عليها: الله أمرك الله بهذا؟ فيرد: نعم فتقول: إذًا لن يضيعنا!
هذا اليقين يسكن قلبها وهي لا تعلم أن سيدنا إبراهيم عليه السلام، كان يدعو ربه مشفقًا: (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فأجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وأرزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون) .
نفد الماء، ولا تجد الأم ما تروي به ظمأ صغيرها، وقد جف لبنها.. يتلوى الصغير جوعًا ويشق صراخه السكون، تردده الجبال في الصحراء، وقلب الأم يكاد ينفطر!
تسرع الأم تصعد جبل الصفا، تبحث عن أحد أو ماء، ينقذ صغيرها من الهلاك، لا تجد غير الصمت والفراغ، تنزل مسرعة تصعد جبل المروة، ولا تجد غير الصمت والفراغ، تفعل ذلك سبع مرات، حتى ينهكها التعب، لكن اليأس من رحمة الله ينأى عن قلبها المنهك , فيأتي الفرج من الله ويتفجر الماء بالقرب من صغيرها، تغرف منه وترويه، تدفق الماء لا يتوقف، فتقول للماء (زمي.. زمي) فسميت هذه العين، «زمزم»، تلك قصة هاجر أم سيدنا إسماعيل عليه السلام،
سبب تسمية زمزم بهذا الاسم؛ أنه لما خرج الماء جعلت هاجر تحوط عليه وتقول: ” زمي زمي”، وفي الحديث: ” يرحم الله أم إسماعيل، لو تركت زمزم لكانت عينا معينا”.
***
القصة الثامنة
لا تنزف ولا تزم تسقي الحجيج الأعظم
لما نادي ابراهيم كما أمره ربه أيها الناس إن لله بيتا فحجوا اليه, ولم يزل كذلك بيت وبئر ومناسك, حتي أحدثت جُرْهم في الحرم، واستخفوا بالمناسك والحرم، وبغى بعضهم على بعض، تغور ماء زمزم واكتتم. وعمد الحارث بن مضاض الأصغر إلى ما كان عنده من مال الكعبة، وفيه غزلان من ذهب وأسياف، فدفن ذلك في زمزم، وعفَّى عليها (أي ردمها)، ولم تزل عافياً أثرها حتى جاء عبد المطلب جد النبي -صلى الله عليه وسلم- , وبينما هو نائمٌ في الحِجرِ أُتِيَ فقيل له : احفُرْ بَرَّةً، فقال : وما بَرَّةُ ؟ ثم ذهب عنه، حتى إذا كان الغدُ نام في مضجعِه ذلك فأُتِيَ فقيل له : احفِرِ المضنونةَ، قال : وما المضنونةُ ؟ ثم ذهب عنه، حتى إذا كان الغدُ فنام في مضجعِه ذلك فأُتِيَ فقيل له : احفِرْ طَيْبَةَ، فقال : وما طَيْبَةُ ؟ ثم ذهب عنه، فلما كان الغدُ عاد لمضجعِه فنام فيه فأُتِيَ فقيل له : احفِرْ زمزمَ، فقال :: وما زمزم، قال: لا تنزف ولا تزم تسقي الحجيج الأعظم وهي بين الفرث والدم عند نقرة الغراب الأعصم عند قرية النمل، قال: فلما بين لي شأنها ودل على موضعها وعرف أنه قد صدق غدا بمعوله ومعه ابنه الحارث بن عبد المطلب .
فقالت له قريشٌ : ما هذا يا عبدَ المطلبِ ؟ فقال : أُمِرتُ بحَفر زمزمَ، فلما كشف عنه وبصُروا بالطَّيِّ قالوا : يا عبدَ المطلبِ إنَّ لنا حقًّا فيها معك، إنها لَبئرُ أبينا إسماعيلَ. فقال : ما هي لكم، لقد خُصِصتُ بها دونَكم. قالوا : أتحاكمُنا ؟ قال : نعم. قالوا : بيننا وبينك كاهنةُ بني سعدِ بنِ هذيمٍ، وكانت بأطراف الشامِ، فركب عبدُ المطلبِ في نفرٍ من بني أُميَّةَ، وركب من كلِّ بطنٍ من أفناء قريشٍ نفرٌ، وكانت الأرضُ إذ ذاك مفاوزَ فيما بين الحجازِ والشامِ، حتى إذا كانوا بمفازةٍ من تلك البلادِ فَنِيَ ماءُ عبدِ المطلبِ وأصحابِه حتى أيقَنوا بالهلكةِ، ثم استَقوا القومَ فقالوا : ما نستطيع أن نسقِيَكم، وإنا نخاف مثلَ الذي أصابكم. فقال عبدُ المطلِبِ لأصحابِه : ماذا تَرَوْن ؟ قالوا : ما رَأْيُنا إلا تَبَعٌ لرأْيِك. قال : فإني أرى أن يحفِرَ كلُّ رجلٍ منكم حفرتَه، فكلما مات رجلٌ منكم دفعَه أصحابُه في حفرتِه حتى يكون آخرُكم يدفعُه صاحبُه، فضَيْعَةُ رجلٍ أهونُ من ضَيْعَةِ جميعِكم، ففعلوا ثم قال : واللهِ إنَّ إلقاءَنا بأيدينا لِلموتِ, ولا نضرب في الأرض ونبتغي، لعل اللهَ أن يسقِيَنا لعجزٍ. فقال لأصحابِه : ارْتَحِلوا. فارتحَلوا وارتحل.
فلما جلس على ناقتِه، فانبعثَتْ به. انفجَرتْ عين تحت خُفِّها بماءٍ عذبٍ. فأناخ وأناخ أصحابُه، فشربوا واستقَوا وأسقَوا، ثم دعوا أصحابَهم : هلُمُّوا إلى الماء فقد سقانا اللهُ، فجاؤوا واستَقَوا وأَسقَوا ثم قالوا : يا عبدَ المطلبِ ! قد واللهِ قُضِيَ لك. إنَّ الذي سقاك الماءَ بهذه الفلاةِ، لهو الذي سقاك زمزمَ، انطلِقْ فهي لك، فما نحن بمخاصِميكَ
***
القصة التاسعة
قبّحك الله
هي العادة وخاصة في واقعنا المرير وأكذوبة الترند (التصدر) , حتي أننا نجدهم أينما نولي وجوهنا وخاصة في تحالفات الشياطين ترند التفاهات ولا نجد قذراتهم الا في شريان الشريعة الاسلامية الصافية, ولا يريدون التغوط الا في كل غال ونفيس, فبدلا من المحافظة علي هذا الشريان, كان منهم التفريط ومن علي شاكلتهم في شتي البقاع والعصور.
وقعت حادثة أثناء الحج في زمان الإمام ابن الجوزي ؛ بينما الحجاج يطوفون بالكعبة ويغرفون الماء من بئر زمزم قام أعرابي فحسر عن ثوبه، ثم بال في البئر والناس ينظرون، فما كان من الحُجاج إلا أن انهالوا عليه بالضرب حتى كاد يموت، وخلّصه الحرس منهم، وجاؤوا به إلى والي مكة، فقال له: قبّحك الله، لِمَ فعلت هذا؟ قال الأعرابي: حتى يعرفني الناس، يقولون: هذا فلان الذي بال في بئر زمزم!!
***
القصة العاشرة
ملكاً قيمته شربة ماء وبولة
الحكمة تؤخذ من مجرب, ويا له من مجرب ملك الدنيا كلم السحابة وقال لها شرقي أو غربي فالماء ماء المسلمين, انه الخليفة هارون الرشيد, دخل عليه ابن السماك يوماً, فبينما هو عنده إذ استسقى ماء، فأتى بقلة من ماء- وقال لابن السماك عظني- فلما أهوى بالماء إلى فيه ليشربه قال له ابن السماك: على رسلك يا أمير المؤمنين أسألك بقرابتك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لو منعت هذه الشربة فبكم كنت تشتريها؟ قال: بنصف ملكي، قال: اشرب، هنأك الله، فلما شربها، قال له: أسالك بقرابتك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لو منعت خروجها من بدنك فبماذا كنت تشتريها، قال: بجميع ملكي، قال ابن السماك: إن ملكاً قيمته شربة ماء وبولة لجدير ألا ينافس فيه! فبكى هارون.
***
اللهم إنا تبرأنا من كل حول الا حولك, وتبرأنا من كل قوة الا قوتك, وتبرأنا من كل عزة الا عزتك , وتبرأنا من كل نصرة الا نصرتك, اللهم بحولك وقوتك وعزتك ونصرتك إلا نصرت أخوانا لنا في فلسطين مستضعفين مخذولين, أجعل اللهم ثأرهم علي عدوهم ومن ظلمهم ومن خذلهم, أنزل الثبات عليهم وتحتهم, وسخر جنودك لهم, وأرنا عجائب قدرتك في عدوهم, وعارا يلحق بهم, يري من سبعين الف سنة وعيدا لما قبلها وأدبا لما بعدها. وأحفظ علينا مصرنا الحبيبة الغالية آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان, واحفظ علينا ديننا من الشبهات والشهوات.